والبديهيات فقد ناقضت ، وإلّا فقد اعترفت بسقوطه.
لأنّا نقول : هذا الكلام الذي ذكرته أنت يفيد القطع بالثبوت ، والذي ذكرته أنا إنّما يفيد التّهمة ، والشكّ إنّما يتولّد من هذا المأخذ. فأنا شاك ، وشاك في أني شاك ، وهلمّ جرّا ، فحينئذ الاشتغال بالجواب عن شبههم يحصل غرضهم على ما قالوا.
فالصواب أن لا نتشاغل بالجواب عنها ؛ لأنّا نعلم أنّ علمنا بأنّ «الواحد نصف الاثنين» ، وأنّ «النار حارة» ، «والشمس مضيئة» ، لا يزول بما ذكروه ، بل الطريق أن يعذبوا حتى يعترفوا بالحسيات ، وإذا اعترفوا بها اعترفوا بالبديهيات ، أعني الفرق بين وجود الألم وعدمه.
قال أفضل المحققين : إنّ قوما من الناس يظنون أنّ السوفسطائية قوم لهم نحلة ومذهب ، ويتشعبون إلى ثلاث طوائف :
اللاأدريِة ، الذين شكوا وشكوا في أنّهم شكوا إلى ما لا يتناهى.
والعنادية ، الذين يقولون : ما من قضيّة بديهية أو نظرية إلّا ولها معارضة ومقاومة مثلها في القوة والقبول عند الأذهان.
والعندية ، وهم الّذي يقولون : مذهب كلّ قوم حقّ بالقياس إليهم ، وباطل بالقياس إلى خصومهم ، وقد يكون طرفا النقيض حقّا بالقياس إلى شخصين ، وليس في نفس الأمر شيء بحقّ.
وأمّا أهل التحقيق فقد قالوا : هذه لفظة في لغة اليونانيّين ، فانّ «سوفا» بلغتهم اسم للعلم والحكمة و «اسطا» اسم للغلط فسوفسطا معناه علم الغلط. كما كان «فيلا» اسم للمحب ، و «فيلسوف» معناه محب العلم ، ثمّ عرّبت هاتان اللفظتان واشتق منهما السفسطة والفلسفة.