قالوا : وليس ولا يمكن أن يكون في العالم قوم ينتحلون هذا المذهب ، بل كلّ غالط سوفسطائي في موضع غلطه. وكثير من الناس متحيّرون ، لا مذهب لهم أصلا. وقد رتب مثل هذه الأسئلة والايرادات أولئك المتحيّرون من طلبة العلم ، وأسندوها إلى السوفسطائية ، والله أعلم بحقيقة الحال.
وطريق التعذيب لأخذ الاعتراف منهم ببعض القضايا الواجب قبولها ، حتى يتمكّنوا من إرشادهم والبحث معهم بناء على ما اعترفوا به. (١)
لا يقال : السوفسطائي المورد للشبهة هل يعترف بوجود نفسه ، وبصدور هذه الأسئلة عنه ، وتوجهها علينا أو لا؟ فإن لم يعترف بوجود نفسه فقد سقطت مكالمته ، وإن اعترف بطلت سفسطته.
لأنّا نقول : هذا الإشكال إنّما يتوجّه على العنادية الّذين يقولون : إنّا نجزم بنفي حقائق الأشياء. أمّا اللاأدرية فإنّهم يقولون : الكلام الذي ذكرته أنت لو خلا عن المعارض الذي أوردته أنا لكان يفيد الجزم ، ولكن لأجل تلك المعارضات زال الوثوق ، فلا جرم لا أقطع بشيء أصلا. وأمّا العنادية الذي يعاندون فيقولون : نحن نجزم بأنّه لا موجود أصلا.
وشبههم إنّما تنشأ من الإشكالات المتعارضة. ولنذكر أمثلة ثلاثة ليقاس عليها غيرها.
الأوّل : لو كان في الوجود موجود لكان ذلك الموجود ، إمّا مشاركا في الوجود لغيره أو لا ، والقسمان باطلان ، فالقول بالوجود باطل.
إنّما قلنا : إنّ القول بكون الوجود مشتركا باطل ، لأنّه إن كان السواد مثلا مشاركا للبياض في وجوده وهو مخالف له في سواديته وما به الاشتراك مغاير لما به
__________________
(١) نقد المحصل : ٤٦ ـ ٤٧.