الإضافة ، لا بدّ من تقدمهما بالذات على تحقّق تلك الإضافة لوجوب تقدّم العلة على المعلول ، لكن هاتان الجهتان لا يمكن تحقّقهما إلّا بعد تحقّق الإضافة التي هي العلم ، لأنّ كون الشيء عالما ومعلوما صفتان متفرعتان على تحقّق العلم ، فإنّه ما لم يحصل العلم أوّلا لم يحصل للذات وصف العالمية ولا وصف المعلومية ، فيكون هذان الوصفان ـ وهما جهتا العالمية والمعلومية ـ متأخرين بالذات عن ثبوت العلم ، لكن العلم قد ثبت أنّه وصف إضافي متأخر عن الجهتين اللتين باعتبار هما صحّ عروض تلك الإضافة.
والحاصل أنّ الذات من حيث إنّها عالمة وإن غايرت نفسها من حيث إنّها معلومة ، لكن هذا التغاير غير كاف في هذه الإضافة وغير صالح لعلّيتها ؛ لأنّ كونها عالمة ومعلومة يتوقف على قيام العلم به ، وهو موقوف على المغايرة الموقوفة على كون الذات عالمة ومعلومة ، فيلزم الدور.
وقد أجاب أفضل المحققين : بأنّ المقتضي للمغايرة هو العلم وليست المغايرة المقتضية للعلم ، بل هذه المغايرة لا تنفك عن العلم كما لا ينفك المعلول عن علّته ، ولا يلزم الدور.
وفيه نظر ، فإنّ العلم قد عرفت أنّه إضافة أو صفة تلزمها الإضافة ، فلا يتحقق إلّا مع المغايرة بين المضافين ، ولو كان المقتضي للمغايرة هو العلم لكان متقدما عليها تقدّم العلة على المعلول ، لكنّه متأخر عنها فيلزم الدور.
ونحن لا ندعي أنّ المغايرة مقتضية للعلم لكنّها شرط في العلم ، كما أنّ الأبوة لا تقتضي التغاير بين الأب والابن لكنّها مشروطة به إذ لا تعقل الأبوة إلّا بين اثنين.
ومن جعل العلم صورة مساوية للمعلوم في العالم يلزمه الإشكال أيضا ، فإنّ الذي حصل للعاقل هنا إن كان غير ذاته فهو باطل لوجهين :