أنّها قابلة للعلوم ، لأنّها جوهر مجرّد فلا مانع له عن التعقل ، إذا لمانع هو المادة وعلائقها ، وإذا كانت مستعدة للانتقاش بصور الموجودات وجب فيضانها عن المبدأ العام الفيض الذي لا يمنع مستعدا عن إفاضة ما استعد له ، بل يفيضه عليه من غير مخصص لإفاضته بوقت دون وقت لأمر يعود إليه.
نعم قد يقصر الاستعداد لفقد شرط أو حضور مانع فلا يجب الإفاضة حينئذ ، لكن لمّا وجدنا نفوس الأطفال غير منقّشة بالعلوم عرفنا أنّ هناك شرطا مفقودا أو مانعا موجودا ، وأنّ ذلك الاستعداد المستلزم لوجود ما يحصل له لم يكن تاما في أوّل الأمر ، ولا كافيا في حصول المستعد له ، فلم يكن الاستعداد المصاحب لها في مبدأ الفطرة كافيا في فيضان المتعقلات عليها من مبادئها.
فإذن لا بدّ من زيادة استعداد لها حتى تحصل لها تلك الصور. وأنّ تلك الزيادة حادثة فلا بدّ لها من سبب حادث ، وليس ذلك إلّا الإحساس بالجزئيات فتتنبّه النفس بواسطته للمشاركات والمباينات الواقعة بين تلك المحسوسات ، فتنتقش النفس بالصور الكلية المجرّدة عن عوارض المادة ولواحقها ، والشعور بما لها من الذاتيات والعرضيات اللازمة أو المفارقة ، فالنفس تنتفع بالحس في اكتسابها للتصورات من هذا الوجه ، ثمّ إذا حصلت التصورات التامة في النفس وقع للبعض نسبة إلى البعض الآخر بالمحمولية والموضوعية ، فما كان من المحمولات محمولا على موضوع معين لذاته لا بتوسط ثالث حكم العقل جزما بثبوته له من غير توقّف على شعوره بمتوسط بينهما ، إذ لو توقف حكم العقل بذلك الثبوت على ثالث متوسط بينهما لم يكن حكم العقل مطابقا لما في نفس الأمر لأنّه في نفس الأمر لا متوسط بينهما ، فلا يكون حكم العقل في ذلك (١) صادقا.
__________________
(١) ق : «فيه إلّا» بدل «في ذلك».