فأثبته قوم ولا نزاع معهم ؛ ونفاه آخرون ، وهؤلاء يجب عليهم دفع هذا الإشكال. وله وجهان :
أحدهما : أجاب به أفضل المحققين حين سألته عن هذا الموضع وهو أنّ النفس في تعقّلها لا تفعل شيئا في الحقيقة ، وإنّما هي جوهر قابل لما يفيض الله تعالى عليها من العلوم، وسبب التخصيص ما تقدّم من اختصاص الاستعدادات المختلفة.
الثاني : انّ كثرة الأفعال قد تكون لاختلاف القوابل أو لاختلاف الآلات أو للترتب بين الآثار ، فيصدر البعض بسبب (١) البعض. والقابل هنا النفس الناطقة ، وهي جوهر بسيط ، ولو كانت مركّبة عن مقومات كثيرة لم تبلغ في الكثرة إلى أن تساوي كثرة أفاعيلها التي لا تتناهى ، فلا يمكن أن يكون ذلك التكثر بسبب كثرة القابل التي هي ذات النفس ، ولا يمكن أن يكون ذلك بواسطة الترتيب ، فإنّ تصور السواد ليس بواسطة تصوّر البياض وبالعكس. وكذلك باقي التصورات وكثير من التصديقات.
فلم يبق إلّا سبب اختلاف الآلات ؛ فإنّ المحسوسات المختلفة اللاتي (٢) تعدّ النفس للانتقاش بتلك الصور الكلية المجرّدة ، والإحساسات الجزئية تتكثر بحسب اختلاف حركات البدن ، ثمّ بعد حصول تلك التصورات والتصديقات البديهية يمزج بعضها مع بعض وتتولد من هناك تصوّرات وتصديقات مكتسبة لا نهاية لها. فحصول التصوّرات والتصديقات البديهية المتكثرة بحسب اختلاف الآلات ، وحصول التصوّرات والتصديقات المكتسبة بحسب امتزاج بعض البديهيات بالبعض ، ولا محالة تكون مترتبة ترتيبا طبيعيا يكون كلّ متقدّم منها
__________________
(١) ج : «بواسطة».
(٢) كذا في المخطوطة ، وفي عبارات الرازي : «آلات».