ولأنّا قد نعقل ذات العلّة ونشكّ في وصف العلية لها فتغايرا. ولأنّه لو لا التغاير لكانت ذات العلّة مع المعلول كالإضافة بل متأخرة عنه ، والعلّة لا شكّ أنّها متقدّمة على المعلول ، هذا خلف.
وإذا ثبت التغاير بين ذات العلّة ووصف العلية ، وثبت أنّ ذات العلّة حقيقة قائمة بنفسها غير مقولة بالقياس إلى غيرها من معلول وغيره لم يجب من العلم بحقيقة الذات التي عرضت العلية لها العلم بذات المعلول.
ب : العلّة ذات ولها وصف العلية ، وهما متغايران كما تقدّم ، فإن أردتم بالعلّة نفس الذات لا باعتبار الوصف ، بل من حيث هي هي ، لم يلزم من العلم بها العلم بالمعلول ، فإنّ ماهية العلّة مغايرة لماهية المعلول ، وليس أحدهما داخلا في الآخر ، بل هما متباينان بالذات ، ونحن نعلم صحّة تعقّل كلّ واحدة من الماهيتين مع الذهول عن الأخرى. وإن أردتم الثاني فهو باطل ، لأنّ العلّية إضافة ، والإضافات لا تعقل إلّا بعد تعقّل المضافات ، فالعلّية لا تعقل إلّا بعد تعقّل المعلول ، فلو استفيد تعقّل المعلول من تعقّلها دار.
ج : لو لزم من تعقل الشيء تعقّل معلوله ، لكنّا إذا عرفنا حقيقة وجب أن نعرف لازمها القريب ، ثمّ ذلك اللازم له لازم آخر ، وللآخر ثالث ، وهكذا إلى ما لا يتناهى ، فيلزم معرفة تلك اللوازم غير المتناهية على التفصيل دفعة واحدة ، وهو محال ، وإلّا لم يخف علينا شيء البتة ، والضرورة قاضية ببطلانه.
د : علمنا بنفسنا إمّا أن يكون نفس نفسنا أو لازما بيّنا قريبا لها ، وعلى التقديرين كان يجب دوام علمنا بنفسنا بدوام نفسنا ، وعلمنا بعلمنا بنفسنا كذلك إلى مراتب غير متناهية.
ه : لأنفسنا لوازم لا واسطة بيننا وبينها ، كالتجرّد والاستغناء عن الموضوع وامتناع قدمها وغير ذلك من اللوازم ، فلو لزم من العلم بالعلّة العلم بالمعلول