لغيره التي هي مقارنة الحالّين على حصول المجرّد في العاقل الذي هو مقارنة الحالّ للمحل ، توقف صحة وجود نوع على وجود نوع آخر ، ولا يلزم منه محال. وبتقدير أن لا يكون أحدهما متوقفا على الآخر ، لكن لا يلزم من صحّة وجود نوعين من المقارنة صحّة النوع الثالث الذي لا يتصوّر تعقّل المجرّد إلّا به (١).
أجاب أفضل المحققين : بأن حصول نوع من المقارنة كاف في الدلالة على صحة طبيعة المقارنة مطلقا من حيث الماهية المشتركة ، وهي كافية في تقرير الحجّة (٢).
وهذا الكلام في غاية المنع ، فإن مطلق المقارنة غير كاف في المطلوب ؛ لأن المطلوب هو وجود مقارنة المحل للحالّ ، والمستدل به هو : إمّا مقارنة الحالّ للمحل ، أو أحد الحالّين للآخر ، ولا شك في إمكان الانفكاك بينهما ، بل في وجوبه ؛ فإنّ الصورة العقلية الحالة في الذهن تقارن الذهن مقارنة الحالّ للمحل ، ويمتنع أن تكون ثابتة في الخارج ، فضلا عن أن تكون ثابتة في الخارج محلا لما فرض محلّا لها.
واعلم أن هذا الإيراد الذي أورده أفضل المتأخرين لازم لهم ، لا جواب عنه البتة.
الخامس : سلمنا أنّ هذه الأنواع متساوية في الماهية ، أو أنّ صحّة أن يقارنها شيء لا يتوقف على كونها عقليّة ، فلم قلتم : إن مثلها إذا وجد في الخارج وجب أن يصح عليه ذلك؟! فإنّه لا يلزم من صحّة حكم على ماهية عند كونها في الذهن صحته عليها في الخارج ، فإنّ الإنسان الذهني محتاج إلى موضوع بخلاف الخارجي ، والخارجي حساس متحرك بخلاف الذهني.
__________________
(١) نفس المصدر : ٣٨٩.
(٢) نفس المصدر.