وبالجملة : لا يلزم من صحّة حكم على الماهية عند كونها ذهنية صحته على مثلها إذا وجد في الخارج ؛ فإن الماهية حال كونها ذهنية لا بدّ وأن تكون متميزة عن نفسها إذا كانت خارجيّة ، فجاز اختلافهما في الحكم باعتبار الاختلاف بواسطة التمايز بينهما (١).
أجاب أفضل المحققين : بأن اعتبار حصول الإنسان في الذهن من حيث هو ماهيّة الإنسان غير اعتبار حصوله في الذهن من حيث هو صورة ذهنية ، كما مرّ بيانه ، فإن الأوّل هو تعقّل الإنسان ، والثاني هو الصورة المتعقّلة للإنسان ، وهي محتاجة إلى تعقّل آخر مثل الأوّل.
والعقل إذا حكم على الإنسان بالاعتبار الأوّل وجب أن يطابق الخارج ، وإلّا لارتفع الوثوق عن أحكام العقل. وإذا حكم بالاعتبار الثاني لم يجب أن يطابق الخارج ؛ لأنّه لم يحكم على الإنسان الخارجي ، بل حكم على الذهني وحده. وهاهنا لم يحكم بصحّة مقارنة المجرد لغيره من حيث هو صورة ذهنية ، بل من حيث ماهيّته (٢).
وفيه نظر ؛ فإن المقارنة إنّما أخذها المستدل في الذهن لا من حيث الماهية ، إذ لا دليل عليه لو أخذها من حيث الماهية.
السادس : سلمنا الصحّة في الخارج ، فلم لا يجوز أن يكون في الخارج مانع من وجود الحكم؟ كما أنّ الحيوانية التي في الإنسان يصح عليها من حيث الحيوانية قبول فصل الفرس ، إلّا أنّ فصل الإنسان يمنعها عن ذلك (٣) ، وهاهنا الصورتان أعني الذهنية والخارجية متغايرتان متمايزتان كما قلنا ، فجاز أن يكون ما لأجله صارت ذهنية شرطا لتلك الصحّة ، أو ما لأجله صارت خارجية مانع منه.
__________________
(١) و (٢) نفس المصدر : ٣٩٠.
(٣) نفس المصدر : ٣٩٠.