قال الرئيس في بيان الكبرى (١) : كل من عقل شيئا أمكنه أن يعقل بالقوة القربية من الفعل أنّه يعقله ، لأنّ للقوة ثلاث مراتب : بعيدة هي العقل الهيولاني ، ومتوسطة هي العقل بالملكة ، وقريبة وهي العقل بالفعل ، وهي التي تقتضي أن يكون للعاقل أن يلاحظ معقوله متى شاء ، فكل شيء يعقل شيئا فله أن يعقل بالفعل ـ متى شاء ـ أن ذاته عاقلة لذلك الشيء ؛ لأنّ تعقّله لذلك الشيء هو حصول ذلك الشيء له ، وتعقّله لكون ذاته عاقلة لذلك الشيء هو حصول ذلك الحصول له ، ولا شك أنّ حصول شيء لشيء لا ينفك عن حصول ذلك الحصول له إذا اعتبره معتبر. وكون واجب الوجود والمفارقات يجب لها ما يمكن، لا ينافي كون تعقّل الشيء يشتمل على تعقل صدور ذلك التعقل من المتعقل بالقوة القريبة ، لأنّ المشتمل على القوة هو التعقّل لا المتعقّل ، وكون المتعقل بحيث يجب أن يكون له بالفعل ما يكون لغيره بالقوة لسبب يرجع إلى ذاته ، لا ينافي ذلك.
ثم اعترض الرئيس على نفسه : بأن الصور المادية في القوام إذا جرّدها العقل وصارت معقولة وزالت (٢) عنها علاقة المادة المانعة (٣) لها عن التعقل ، إذا قارنت صورا أخرى معقولة ، فلم لا تصير عاقلة لها مع زوال المانع وحصول المقارنة؟ (٤)
وأجاب : بأنّ هذه الصورة ليست مستقلة بقوامها فلا تقبل شيئا يحلها من المعاني المعقولة ، بل أمثال هذه الصورة لا يحل فيها شيء من المعاني المعقولة ، لعدم استقلالها ، بل كانت حاصلة معها في شيء آخر ، وليس واحد من الصورتين الحاصلتين في شيء واحد بقبول الآخر أولى من الآخر بقبوله ، فلو كان كل واحد
__________________
(١) راجع شرح الاشارات ٢ : ٣٨٢.
(٢) في المخطوطة : «زال».
(٣) في المخطوطة : «المانع».
(٤) راجع شرح الاشارات ٢ : ٣٩١.