منهما قابلا للآخر لكان كل واحد قابلا لنفسه ، وهو محال. ولما لم يكن واحد منهما قابلا للآخر ، فلا واحد منهما بحاصل في الآخر ، والتعقل هو حصول المعقول في العاقل. فإذن لا واحد منهما بعاقل للآخر ، بل العاقل لهما هو الشيء المتصور لهما ، لأنّهما حاصلان فيه.
وأمّا وجود تلك الصور خارج العقل فمادّي غير مجرد ، والمادة مانعة من كونها معقولة ، فضلا عن كونها عاقلة. فإذا لا يمكن أن تكون تلك الصورة عاقلة في حال من الأحوال ، ونحن كلامنا في جوهر مستقل بنفسه إذا قارنه معنى معقول صار قابلا له ، فكان له بالإمكان أن يعقله (١).
اعترض أفضل المتأخرين بوجوه :
الأوّل : أن الصورة المعقولة الحالّة في شيء واحد لا يمكن أن تكون متماثلة ؛ لاستحالة اجتماع الأمثال. ولأنّها صور المختلفات فتختلف باختلافها ، وحينئذ يمكن أن تكون بعضها أولى بالمحلّية وبعضها بالحاليّة ، فإنّ الحركة لمّا خالفت البطء بالماهية صارت بالمحلّية أولى (٢).
وأجاب أفضل المحققين : بأنّ كون أحد الشيئين أولى من الآخر يقتضي اختلافهما بالماهية ، أمّا عكس هذا الحكم فغير واجب. والحركة ليست محلا للبطء لاختلاف ماهيتهما ، وإلّا لكانت محلا للسواد أيضا ، بل كان البطء محلا لها ، إنّما هي محلّ للبطء لكونه هيئة لها وكونها متصفة به.
وهاهنا لا يمكن أن يقال : أحد المعقولين مع تساويهما في النسبة إلى المحلّ هيئة وصفة للآخر. وكيف وكل واحد منهما يوجد لا مع الآخر بحسب ماهيته وبحسب كونه معقولا؟ فإذن ليس أحدهما بالمحلية أولى من الآخر (٣).
__________________
(١) و (٢) نفس المصدر : ٣٩١ ـ ٣٩٣.
(٣) نفس المصدر.