معان ثلاثة ؛ فإنّ الأفعال الإنسانية قد تكون حسنة وقد تكون قبيحة ، والعلم بالحسن والقبيح قد يكون ضروريا وقد يكون كسبيا ، واكتسابه إنّما يكون بمقدمات تلائمها ، فإذن هنا أمور ثلاثة :
الأوّل : القوة التي بها يميز الإنسان بين الحسنة والقبيحة.
الثاني : المقدمات التي تستنبط منها الأمور الحسنة والقبيحة.
الثالث : نفس الأفعال التي توصف بأنّها حسنة أو قبيحة. واسم العقل العملي يقع على هذه المعاني الثلاثة بالاشتراك.
وأمّا القوة النظرية : فإنّ الحكماء يطلقون اسم العقل تارة على هذه القوة ، وتارة على الإدراكات التي لها.
أمّا الأوّل ، فإنّ النفس الإنسانية قابلة لإدراك حقائق الأشياء ، لكنها في مبدأ الفطرة خالية عن الجميع فتكون كالهيولى بالنسبة إلى الصور ليس لها إلّا طبيعة الاستعداد والقبول لا غير ، فلهذا سميت بالعقل الهيولاني للمشابهة بينها وبين الهيولى.
وإن لم تكن خالية ، بل اتصفت بالعلوم الضرورية ، فهي العقل بالملكة (١) ، لقدرتها على اكتساب النظريات وحصول ملكة الاستنتاج.
وإن حصل لها مع الضروريات النظريات لا بالفعل ، بل تكون بحالة متى شاءت استحضرتها بمجرد التعقل [و] التذكر والتفات النفس إليها فتسمى حينئذ عقلا بالفعل.
__________________
(١) الملكة : صفة وكيفية راسخة في النفس ، تقابلها الحال وهي سريعة الزوال ، فإذا تكررت تلك الصفة ومارستها النفس حتى رسخت فيها وصارت بطيئة الزوال تسمّى ملكة. راجع الجرجاني ، التعريفات : ٢٩٦.