وإن كانت حاضرة بالفعل حاصلة بالحقيقة سميت عقلا مستفادا.
فاسم العقل واقع على هذه القوى النفسانية الخمس بالاشتراك.
وقد يقال : العقل لكل جوهر مجرد عن المادة ولواحقها البتة ، هذا على رأي الأوائل.
وأمّا المتكلمون (١) فالمشهور عندهم أنّ العقل الذي هو مناط التكليف (٢) : هو العلم بوجوب الواجبات واستحالة المستحيلات ، لأنّ العقل لو لم يكن من قبيل العلوم لأمكن انفكاكه عنها ، فيصح وجود العقل من دون علم ووجود علوم كثيرة بغير عقل ، وهو محال لاستحالة وجود عاقل لا يعلم شيئا أصلا ، ووجود عالم بجميع الأشياء ولا يكون عاقلا. وليس هو العلم بالمحسوسات لحصوله في البهائم والمجانين ، فهو إذن علم بالأمور الكلية. وليس من العلوم النظرية ؛ لأنّها مشروطة بالعقل ، فلو كان العقل عبارة عنها كان الشيء شرطا في نفسه ، وهو محال. فإذن هو علم بأمور كلّية ضرورية.
واعترض : بأنّ التغاير لا يقتضي الانفكاك ، ولا جوازه ؛ فإنّ الأشياء قد تتلازم وتتغاير كالجوهر والعرض ، فإنّه لا يمكن خلو أحدهما عن صاحبه وهما متغايران ، وكذا العلة والمعلول ، والمضاف والمضاف إليه أمور متلازمة متغايرة. فجاز أن يكون العقل أمرا مغايرا للمعلوم وإن كان ملازما لها. على أنّا نمنع التلازم ، فإنّ النائم عاقل مع أنّه لا يعلم شيئا حينئذ ، واليقظان الغافل عن جميع الأشياء عاقل مع أنّه لا يستحضر شيئا من وجوب الواجبات واستحالة المستحيلات.
وأبو الحسن الأشعري ، قال : العقل علوم خاصة.
__________________
(١) راجع نقد المحصل : ١٦٢ ـ ١٦٣.
(٢) أي لا يصح التكليف من الله سبحانه بدونه.