لأنّ الصورة الحاصلة منها في الأذهان ممتنعة الحصول في الخارج.
لأنّا نقول : الصورة الذهنية لها ماهية ولها وجود ، ولا شكّ أنّ للماهية اعتبارا ، ولوجودها اعتبارا آخر مغايرا لاعتبارها. واعتبار الماهية من حيث هي هي وإن كان جزءا من اعتبارها من حيث إنّها موجودة ، لكنّهما متغايران تغاير الجزء والكلّ. وتلك الماهية إذا أخذت من حيث هي ذهنية فهي ممتنعة الحصول في الخارج ، سواء كانت تلك الصورة الذهنية مأخوذة عن الممتنع أو عن الممكن ، لكن إذا نظر إلى تلك الماهية من حيث هي هي مع قطع النظر عن اعتبار كونها ذهنية ، فإن حكم العقل بامتناع عروض الوجود الخارجي لها كانت ممتنعة ، وإلّا كانت ممكنة.
فالحاصل أنّ تلك الماهية لا بدّ في حقيقتها من الوجود الذهني ، لكن المحكوم عليه بالامكان والامتناع هو تلك الماهية فقط ، لا من حيث اعتبار وجودها وعدمه ، ولهذا (١) كان كون الإنسان إنسانا غير وكونه بحيث لا يمتنع نفس مفهومه من الشركة غير ؛ فإنّ أحد المفهومين ليس هو الآخر ، ولا داخلا فيه على ما عرفت ، فكونه بحال لا يمنع الشركة عارض عرض لتلك الماهية ، لكن يمتنع أن يعرض له ذلك العارض عند وجوده في الخارج ؛ لأنّ كلّ موجود في الخارج مشخص ويمتنع أن يكون بنفسه وهو بعينه محمولا على غيره على ما عرفت.
فإذن هذا العارض إنّما يعرض له عند كونه في العقل ، فإذن للماهيات المعقولة وجود في العقل.
وأمّا إنّ الإرادات الجزئية لا بدّ فيها من هذا الارتسام فسيأتي.
__________________
(١) هذا ممّا استدل به الرازي واختاره من البراهين الدالة على أنّ العلم بالشيء لا يحصل إلّا بانطباع صورة المعلوم في العالم ، وسيرد اعتراض المصنف عليه.