الثالث : لو وجب اقتران القدرة والمقدور لزم أحد المحالين ، وهو إمّا قدم العالم ، أو حدوث قدرة الله تعالى ، والتالي بقسميه باطل ، فالمقدم مثله. والشرطية ظاهرة.
واعترضه أفضل المتأخرين بأن : «المؤثر في وجود أفعال الله تعالى هو تعلّق قدرته بها زمان حدوثها ، وأمّا التعلقات (١) السابقة فلا أثر لها البتة ، وهذا لا يمكن تحققه في قدرة العبد ، لأنّها غير باقية» (٢).
أجاب أفضل المحققين بأنّ : «القول : بأنّ تعلّق قدرة الله تعالى زمان حدوث الفعل مؤثر في وجود الفعل ، ليس بشيء لأنّ الفعل يجب في زمان حدوثه وإن لم تكن قدرة».
واعترض كلام المعتزلة بأنّه «لا نسبة لقدرة الله تعالى إلى قدرة العبد ، مع أنّ قدرته تعالى إذا أخذت مع وجود الإرادة أو عدمها لا يبقى للاختيار وجه ، كما قيل في العبد»(٣).
وفيه نظر ، فإنّ المتعلقات لو كانت ثابتة لزم التسلسل ، والثبوت الذهني عنده محال. ولاستحالة أن يكون مؤثر الموجودات العينية ـ من الأجسام والأعراض ـ أمرا ذهنيا ، وإنّما تنتفي النسبة لو ثبت الاختلاف ، لكن مفهوم القدرة واحد.
الرابع : أنّه سيأتي إن شاء الله تعالى وجوب تعلّق القدرة بالضدين ، فلو وجب فيها مقارنة الأثر لوجب اجتماع الضدين ، وهو محال (٤).
الخامس : قد تتعلق القدرة بما لا يتناهى من الأفعال على ما سيأتي تفصيله ، فلو وجب مقارنتها للأثر لزم وجود ما لا يتناهى دفعة ، وهو محال.
__________________
(١) في المخطوطة : «المتعلقات» وما أثبتناه من المصدر.
(٢) و (٣) نفس المصدر.
(٤) انظر تفصيل هذا الدليل ونقضه وابرامه في شرح الأصول الخمسة : ٣٩٦ وما يليها.