لاستحالة انتقاله من الامتناع إلى الإمكان ، فلو صح تعلّق القدرة به على سبيل الاقتران وقدرته تعالى أزلية وجب قدم الفعل ، وهو محال ، وإذا كان هذا الحكم راجعا إلى مجرد القدرة ثبت في قدرتنا ذلك أيضا.
العاشر : (١) ألزم قدماء المعتزلة كأبي الهذيل وجعفر بن حرب (٢) وغيرهما الأشاعرة في سؤالهم لهم : متى يقدر أحدنا على فعل نفسه ، أو على الانتقال من الظل إلى الشمس ، أو على تطليق زوجته ، أو على القاء العصا من يده؟ فإن كان قادرا عليها قبل حدوثها فهو المطلوب ، وإن كان عند حصولها فهذه حالة قد استغنى فيها عن القدرة وعن القادر. وكيف يقولون في القتل ، وهو يخرج حال وجوده من كونه حيا ، فكيف يثبت كونه قادرا؟
احتجت الأشاعرة بوجوه (٣) :
أ : (٤) القدرة عرض فلا تكون باقية ، فلو تقدمت على الفعل لاستحال أن يكون قادرا على الفعل.
ب : حال وجود القدرة ليس إلّا عدم الفعل ، والعدم المستمر يستحيل أن يكون مقدورا ، وحال حصول الفعل لا قدرة (٥).
ج : لو جاز تقدمها وقتا واحدا ولا فعل ، جاز تقدمها أوقاتا كثيرة ، فيخلو أحدنا من الأخذ والترك.
__________________
(١) انظر هذا الوجه بتمامه في شرح الأصول الخمسة : ٤١٤ ـ ٤١٥.
(٢) أبو الفضل جعفر بن حرب الهمداني (١٧٧ ـ ٢٣٦ ه) : من أئمة المعتزلة ، من أهل بغداد. أخذ الكلام عن أبي الهذيل العلاف بالبصرة. وصنّف كتبا كثيرة مثل : الايضاح ، نصيحة العامة ، أصول الخمس و... راجع طبقات المعتزلة : ٧٣ ؛ تاريخ بغداد ٧ : ١٦٢ ؛ مروج الذهب ٢ : ٢٩٨.
(٣) انظر تفصيل الوجوه ووجوها أخرى والجواب عنها في شرح الأصول الخمسة : ٤٢٢ ـ ٤٣١.
(٤) انظر هذا الوجه في تلخيص المحصل : ١٦٧.
(٥) راجع تلخيص المحصل : ١٦٥.