الأوّل : الماء إذا يسخن بالقسر بسبب ملاقاة النار له مثلا فانّه إذا زال القاسر عنه عادت البرودة إليه ، فعلمنا أنّ في جسم الماء شيئا محفوظ الذات عند حصول المسخّن القسري ، وهو الذي أعاد البرودة إلى الماء عند زوالها بالقسر ، فعلمنا أنّ استناد هذه الآثار إلى مباد في الأجسام. وأمّا الصور فإنّها إذا زالت لا تعود عند زوال المزيل ، فإنّ الماء إذا عرض له عارض صيره هواء فعند زوال ذلك القاسر لا يعود بطبعه ماء ، فعلمنا استناد الأعراض إلى الصور. وأمّا الصور فلا يجب استنادها إلى صور أخرى.
الثاني : العناصر الممتزجة المتفاعلة بعضها في بعض لا بدّ فيها من كسر وانكسار في الكيفيات ، والحس يدل عليه. وعلة الكسر يجب أن تكون حاصلة عند الكسر ، فلا يخلو إمّا أن يكون انكسار كيفية كل واحد منها (١) بكيفية الآخر أو بغيرها. والأوّل محال ؛ لأنّه لا يخلو إمّا أن يتقدم انكسار إحداهما بالأخرى أو يقترنا معا. والأوّل محال ؛ وإلّا لاستحال انكسار الكاسر به لأنّ المنكسر بعد انكساره صار مغلوبا فلا يعود غالبا ، مع أنّه قبل الانكسار لم يقو على الغلبة والقهر لغالبه ، فكيف يصير بعد الانقهار قاهرا؟! والثاني محال أيضا ؛ لأنّ الانكسارين لو وجدا معا لوجب وجود علتهما معا وهما الكاسران ، فحال انكسار كل منهما بصاحبه ومغلوبيته به يصير كاسرا وقاهرا ، وهذا محال للتنافي بين العلية والمعلولية. فوجب أن يكون انكسار كيفية كل من العنصرين ليس بكيفية الآخر ، بل بالصورة الموجودة في العنصر الذي هو مبدأ تلك الكيفية ، فثبت وجود هذه القوى.
والجواب عن الأوّل : قد بيّنا سبب الاختصاص ، وهو قدرة الله تعالى. وما ذكرتموه مبني على الاستقراء دون البرهان ، فإنّ الاحساس انّما يفيد حكما جزئيا. فإن
__________________
(١) في المخطوطة : «منهما» وما أثبتناه من المباحث المشرقية : ١ / ٥٠٩.