تحصل اللذة ، فلما لم تحصل اللذة اللمسية إلّا عند تبدل الحال الغير الطبيعي ظنّ أنّ اللذة نفسها هي ذلك الانفعال ، وهذا ظن باطل ؛ لأنّ الإنسان قد يستلذ بالنظر إلى صورة جميلة لم يكن رآها ، ولا علم بها قبل ذلك حتى لا يقال : إنّ النظر يدفع ضرر الشوق ، وكذلك إذا أدرك مسألة علمية من غير طلب منه لها ولا شوق إلى تحصيلها ، أو اتفق له حصول مال عظيم أو حصول منصب جليل فانّه يلتذ بذلك وإن لم يكن متوقّعا له ولا طالبا لحصوله بحيث لا يقال : إنّ حصول هذه الأشياء أزالت ألم الطلب والشوق.
والشيخ قد عرّف اللذة بأمور متعددة تشترك في معنى الإدراك فإنّه قال في الإشارات : «اللذة : هي إدراك ونيل لوصول ما هو عند المدرك كمال وخير من حيث هو كذلك. والألم : هو إدراك ونيل لوصول ما هو عند المدرك آفة وشرّ» (١).
الإدراك : قد مضى تفسيره (٢).
والنيل : الاصابة والوجدان.
وإنّما لم يقتصر على الإدراك ؛ لأنّ الإدراك يحصل بحصول صورة مساوية للمدرك في المدرك ، والنيل لا يكون إلّا بحصول ذاته. واللذة لا تتم بحصول ما يساوي اللذيذ (٣) ، بل بحصول اللذيذ نفسه ، فلهذا عقب بالنيل ، ولم يكن هناك لفظ يقوم مقامهما بحيث يأتي به عوضهما. وقدّم الأعم الدال بالحقيقة ، وأردفه
__________________
(١) شرح الاشارات ٢ : ٣٣٧. حاصل ما يستفاد من كلمات الشيخ في هذا الموضع وما يأتي من سائر المواضع أنّه يعتبر في حصول اللذة والألم أمورا ثلاثة : الأوّل : وجود قوة مدركة ، فلا تحصل لغير ذوي الادراك. الثاني : حصول الملائم من الخير والكمال في اللذة ، وحصول المنافر من الشر والنقص في الألم. الثالث : ادراك ذاك الملائم من الخير والكمال بما أنّه ملائم ، وذاك المنافر من الشر والنقص بما أنّه منافر.
(٢) في ص : ٢٢٩ من المجلد الثاني من هذا الكتاب ، راجع أيضا شرح الاشارات ٢ : ٣٠٨.
(٣) أي بحصول الصورة.