بالمخصّص الدال بالمجاز.
وقال : «لوصول ما هو عند المدرك» ولم يقل : لما هو عند المدرك ؛ لأنّ اللذة ليست ادراك اللذيذ فقط ، بل هي إدراك حصول اللذيذ للملتذ ووصوله إليه.
وقال : «لما هو عند المدرك كمال وخير» ؛ لأنّ الشيء قد يكون كمالا وخيرا بالقياس إلى شيء ، وهو لا يعتقد كماليّته وخيريّته فلا يلتذّ به ، وقد لا يكون كذلك وهو يلتذّ به لأنّه يعتقده كمالا وخيرا (١).
فإذن المعتبر كماليّته وخيريّته عند المدرك لا في نفس الأمر. والكمال والخير هنا المقيسان إلى الغير هما حصول شيء لما من شأنه أن يكون ذلك الشيء له ، أي حصول شيء يناسب شيئا ويصلح له ، أو يليق به بالقياس إلى ذلك الشيء. والفرق بينهما أنّ ذلك الحصول يقتضي لا محالة براءة ما من القوة لذلك الشيء فهو بذلك الاعتبار فقط كمال وباعتبار كونه مؤثرا خير.
وقال : «من حيث هو كذلك» ؛ لأنّ الشيء قد يكون كمالا وخيرا من جهة دون جهة ، والالتذاذ به يختص بالجهة التي هو معها (٢) كمال وخير.
فهذه ماهية اللذة ، وتقابلها ماهية الألم. وهذا أقرب إلى التحصيل من قولهم : «اللذة ادراك الملائم ، والألم ادراك المنافي» (٣).
واعترضه أفضل المتأخرين بأنّ : «تعريف اللذة بالخير الذي هو أمر وجودي
__________________
(١) فصورة الأولى مثل قوله تعالى : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) فلا يلتذّ بما يعتقد كراهيته ، وصورة الثانية مثل قوله تعالى : (وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) فيلتذّ بما يعتقد خيريّته ، وان كان معتقده في الصورتين خلاف الواقع.
(٢) في جميع النسخ : «منها» ، وما أثبتناه من شرح الاشارات ٣ : ٣٣٨.
(٣) كذا قال الفارابي في فصوص الحكم : ٦٤ ، والشيخ ابن سينا في الفصل الخامس من المقالة الثامنة وفصل المعاد من المقالة التاسعة من إلهيات الشفاء : ٥٠٨ و ٥٤٥ ، والجرجاني في التعريفات : ٢٤٥.