فيكون السبب القريب للألم واللذة ثبوتا وانتفاء هو المزاج لا التفرق.
واعترضه أفضل المحقّقين : «بأنّ العدم لا يكون علّة لموجود ؛ و [لكن] (١) العدمي ربما يكون علة لعدم الحركة عمّا من شأنه أن يتحرك فانّه علّة لأحد الأكوان الذي هو السكون ، وعدم السمع علّة للخرس ، وعدم الغذاء في الحيوان الصحيح للجوع. وتفريق الاتصال ـ في العضو الذي لا يكون فيه حس أو يعرض له خدر ، أو يكون معه استمرارا ، أو يكون التفرق طبيعيا ، كما يحصل في التغذي عند نفوذ الغذاء في أجزائه ـ لا يكون مؤلما ، بل الألم عندهم إحساس عضو بتفرق اتصال يحدث فيه غير طبيعي ، وكلامهم يدل على ذلك ، ولا شكّ في أنّ الحمّى وهو سوء المزاج مؤلم وإن لم يكن هناك تفريق اتصال. والمعنى الجامع هو الاحساس بالمنافي ، فهو إذن حدّ الألم ، وإذا كان التحديد صحيحا فلا يكون انعكاسه لفظيا.
وإنّما خالف في أنّ تفرق الاتصال ليس بموجب للألم في الحي ، إنّما كان لأنّه يقول : التفريق يوجب سوء المزاج الذي تقتضيه طبائع المفردات عند تفريقها ، فالسبب الذاتي هو طبائع المفردات ، والتفريق يقتضي زوال الاعتدال الذي حصل من الكسر والانكسار. فالتفريق ليس سببا بالذات ، إلّا لأمر عدمي هو زوال الاعتدال ، والألم إنّما يحصل من سوء المزاج ، هكذا قاله قطب الدين المصري تلميذه. لكن قوله : «وزاد ابن سينا سببا ثانيا وهو سوء المزاج» يدل على خلاف ذلك» (٢).
وقد ذكر في المباحث ما نقله قطب الدين ، فإنّه قال : «بدن الإنسان مركّب من العناصر التي تقتضي طبيعة كلّ منها الخروج عن الاعتدال ، فما دامت متصلة
__________________
(١) ما بين المعقوفتين مأخوذ من المصدر.
(٢) نقد المحصل : ١٧١ و ١٧٢.