القوة تكون على الضدين على السواء ، والاستعداد لا يكون على الضدين بالسوية ؛ فإنّ كلّ إنسان يقوى أن يفرح ويحزن ، إلّا أنّ من اشخاص الناس من يستعد للفرح فقط ، ومنهم من يستعد للغم فقط. والاستعداد استكمال القوة بالقياس إلى أحد المتقابلين.
إذا تقرر هذا فنقول : السبب المعدّ للفرح أمور ثلاثة (١) :
الأوّل : كون حامله الذي هو الروح على أفضل أحواله كمّا وكيفا.
أمّا كمّا فأن يكون كثير المقدار ؛ لأنّ زيادة الجوهر في كمّه توجب زيادة قوته وشدتها(٢) على ما يأتي.
وأيضا كثرة المقدار يحصل معها إمكان تفريق الروح ، بحيث يكون بعضها عند المبدأ لا ينتقل عن موضعه وبعضها ينبسط عند الفرح ، فيحصل منه قسط واف في المبدأ وقسط واف للانبساط الذي يكون عند الفرح. أمّا مع قلّته فلا يمكن فيه الانقسام ؛ لأنّ القليل تنحل به الطبيعة وتضبطه عند المبدأ ، ولا يمكنه من الانبساط.
وأمّا كيفا بأن يكون معتدلا في اللطافة والغلظ ، وأن يكون شديد النورانية والصفاء.
وإذا ظهر السبب المعد للفرح ظهر السبب المعد لضدّه وهو الغم ، وهو إمّا قلّة الروح كما للناقهين ، والمنهوكين بالأمراض ، والمشايخ. وإمّا غلظه كما للسوداويين والمشايخ ، فلا ينبسط لكثافته. وإمّا رقته كما للنساء والمنهوكين ، فلا يفي بالانبساط. وإمّا ظلمته كما للسوداويين.
الثاني : أمور خارجة وهي كثيرة ، وهي الأسباب الفاعلية ، والأصل فيها
__________________
(١) انظرها في : رسالة في الأدوية القلبية لابن سينا ، تحقيق د. محمد زهير البابا : ٢٢٩ ـ ٢٣٠ و ٢٣٢.
(٢) في رسالة الشيخ : «زيادة القوة في الشدة».