تخيّل الكمال. والكمال مع أنّ فيه كثرة فانّه راجع إلى العلم والقدرة ويندرج فيه الاحساس بالمحسوسات الملائمة والتمكن من تحصيل المراد والاستيلاء على الغير ولو في شيء ما وإظهار ذلك والخروج من المؤلم وتذكر اللذات. ومقابلاتها أسباب الغم.
قال الشيخ : «هذه الأمور الخارجة الموجبة للفرح منها قوية ومنها ضعيفة ، ومنها معروفة ومنها غير معروفة ، وممّا لا يعرف ما قد اعتيد كثيرا فسقط الشعور به. ولا حاجة إلى تعديد ما كان من أسبابها قويا وظاهرا. وأمّا الأخرى فمثل تصرف الحس في العالم ، ويدل على إلذاذه إيحاش ضدّه ، وهو الإقامة في الظلمة ، ومثل مشاهدة الشكل وهو يوجب الفرح ؛ للغم بالوحدة» (١).
اعترض بأنّه لا يلزم من كون الشيء على صفة أن يكون لضدّه ضدّ تلك الصفة ؛ وقد ذكر الشيخ في كتاب «الجدل» من الشفاء : «أنّ هذه قضية مشهورة ، باطلة في نفسها» فلا يلزم من كون الظلمة موحشة كون الحس في العالم لذيذا.
وفيه نظر ، فإنّ الشيخ لم يقصد في هذا المطلوب البرهان ، بل الخطابة والظن.
قال : «ومثل التمكن من المراد في الوقت ، والاستمرار على مقتضى القصد من غير شاغل ، وكذا العزائم والآمال ، وذكر ما سلف ، ورجاء ما يستقبل ، وتحدّث النفس بالأماني ، والمحادثة ، والاستغراب والاغراب والتعجب والاعجاب ، ومصادفة حسن الاصغاء من المحاور (٢) ، والمساعدة ، والخديعة والتلبيس ، والغلبة في أدنى شيء (٣).
__________________
(١) رسالة في الأدوية القلبية : ٢٣٢. مع تصرف العلّامة في العبارات.
(٢) في بعض نسخ المصدر : «المحاورة».
(٣) في المصدر بعد قوله : «في أدنى شيء» : «وغير ذلك من الأمور المحصاة في كتاب ريطوريقا ، أي كتاب الخطابة ، وهو من كتب أرسطو المشهورة».