فالمتكلّمون وجماعة من الأوائل منعوا من ذلك (١) ، وزعموا أنّها من الاعتبارات الذهنية كالكلية والجزئية. وذهبت طائفة من الحكماء إلى أنّها وجودية في الأعيان.
واحتج الأوّلون بوجوه (٢) :
الأوّل : لو كانت الإضافة أمرا موجودا في الأعيان لزم التسلسل المحال ، والتالي باطل ، فالمقدم مثله.
بيان الشرطية : أنّ الإضافة لو كانت ثابتة في الأعيان ، فإمّا أن تكون جوهرا أو عرضا. والأوّل باطل بالضرورة ، فإنّه لا يعقل للإضافة وجود مستقل بنفسها ، ولا تأصل لها في التحقق ، فليس في الأعيان وصف الأبوة والبنوة وأشباههما قائما بذاته غنيا عن محل يقوم فيه. والثاني باطل أيضا ؛ لأن كلّ عرض لا بدّ له من محل يحل فيه فحلول ذلك العرض في محله إضافة لذلك العرض إلى ذلك المحل ، فيكون عرضا موجودا مفتقرا إلى محل ، فحلوله في ذلك المحل إضافة أخرى ويتسلسل ؛ لأنّ الحلول غير الإضافة ، فإنّ الأبوة إذا كانت حالّة في ذات الأب كان كونها في محل مغايرا للمفهوم من الأبوة ، فيكون ذلك إضافة عارضة للأبوة ، والكلام فيه كالكلام في الأوّل ويلزم التسلسل.
أجاب الشيخ هنا بما لا يسمن ولا يغني من جوع ، فقال (٣) :
«يجب أن نرجع في حلّ هذه الشبهة إلى حدّ المضاف المطلق ، فنقول :
__________________
(١) وهو مذهب المحقّق الطوسي حيث قال في تجريد الاعتقاد : «إنّ الإضافة ليست ثابتة في الأعيان». وأمّا المستفاد بالتأمّل في كلماته أنّه قدس سرّه يرى الاضافة من المعقولات الثانية الفلسفية التي عروضها في الذهن واتصافها في الخارج ، كمفاهيم العلّة والمعلول والإمكان والوجوب والماهية والعرض وغيرها ، وهذا مختار صدر المتألهين أيضا ، كما في الأسفار ٤ : ٢٠٤. فلا مبرّر لما أسند إليه المصنّف من عدّها من المعقولات الثانية المنطقية ؛ حيث مثّل لها بالكلية والجزئية.
(٢) انظر الوجوه في المباحث المشرقية ١ : ٥٦٠ ـ ٥٦٢ ؛ نقد المحصل : ١٣١.
(٣) في الفصل العاشر من ثالثة إلهيات الشفاء. بتصرف العلّامة.