الثاني : الإضافات طبائع غير مستقلة بأنفسها ، فيمتنع أن يعرض لها التضاد ؛ لأنّ أقلّ درجات المعروض أن يكون مستقلا بتلك المعروضية.
ثمّ إنّه قال في باب الإضافة : «إنّ المضاف يعرض له ما يعرض لمقولته ، فالضّعفية لمّا عرضت للكم وكان لا مضادة فيه ، لم يعرض لها التضاد. ولمّا كانت إضافة الفضلية عارضة في الكيف وفي الكيف تضاد ، جاز أن يعرض لهذه الإضافة تضاد. والحار لمّا كان ضدا للبارد كان الأحر ضدا للأبرد» (١).
ولا تناقض بين الكلامين في الحقيقة ؛ لأنّ الإضافة لمّا لم تكن طبيعة مستقلة بنفسها بل طبيعتها تقتضي أن تكون تابعة للمضاف ، وجب أن يكون في هذا الحكم تابعا أيضا ، فإن كانت معروضاتها متضادّة وجب أن تكون هي أيضا متضادة ؛ لأنّه لو لم يلزم من تضاد معروضاتها تضادّها كانت الإضافات مستقلة بأنفسها وغير تابعة لمعروضاتها ، فلهذا حكمنا بأنّ الأحر يجب أن يضاد الأبرد. وأمّا إذا كانت معروضاتها غير متضادة ، امتنع عروض التضاد لها ؛ إذ لو عرض التضاد لها دون معروضاتها كانت مستقلة بأنفسها ، فلهذا حكمنا بأنّ العظيم والصغير غير متضادين. فالكلام إنّما يسلم عن التناقض لو قيل على هذا الوجه. وإطلاقه في أنّ الإضافات لا تتضاد في باب الكم ، عنى بذلك أنّها لا تتضاد استقلالا لا أنّها لا تتضاد مطلقا ولا تبعا.
وفيه نظر ، فإنّه لا يلزم من استقلال العارض باقتضاء التضاد استقلاله عن معروضه واستغناؤه عنه مطلقا ؛ فإنّ الكيف قابل للضدية ، ومعروضه وهو الجوهر غير قابل لها.
وقيل : لا يلزم من تضاد المعروضات تضادهما لعدم البرهان عليه ، ثمّ ينتقض بالمساواة والمفاوتة فانّهما من لواحق الكم القابل للزيادة والنقصان
__________________
(١) الفصل الثالث (في المضاف) من المقالة الرابعة من قاطيغورياس الشفاء : ١٤٨. بتصرف العلّامة.