فالأين ليس هو الجسم الحاصل في المكان ، ولا المكان المشغول بالجسم ، بل هو حصول الجسم في مكانه. وهذا الحصول ليس في نفسه نسبة ، بل أمر حقيقي تعرض له النسبة ؛ فإنّ حصول الشيء في مكانه لو جرّد عن النسبة لكان حصولا مطلقا ، وليس ذلك إضافيا وإنّما عرضت الإضافة ، أعني النسبة باعتبار جزء من النسبة وهي خارجية ، فلهذا لم تكن مطلق النسبة جنسا.
قيل : إنّه ليس عبارة عن نسبة الشيء إلى مكانه ، بل عن أمر وهيئة تتميز بالنسبة إلى المكان.
واعترض عليه (١) : بأنّ ذلك الأمر والهيئة إن لم يكن نسبيا كانت الأعراض التي ليست نسبيّة أمورا زائدة على الكم والكيف ، وهو باطل. وإن كان نسبيا ، فتلك النسبة ليست إلى شيء آخر ، بل هي النسبة إلى المكان بالحصول فيه ، وهو المطلوب.
ولأنّ النسبة إلى المكان بالحصول فيه أمر معلوم ، فمن ادّعى غيره وجب عليه إفادة تصوره ، ثمّ إقامة الحجّة على ثبوته.
وفيه نظر ، فإنّا نمنع الحصر.
سلّمنا ، لكن الأعراض التي ليست نسبة لا يشير بها إلى اعراض تلزمها النسبة ، فإنّ ما عدا الإضافة من السبعة أعراض تلزمها النسبة ، والنسبة إلى المكان بالحصول فيه لو كان هو الأين نفسه لكان الجنس العالي متوسطا ، هذا خلف.
__________________
(١) المعترض هو الرازي في المباحث ١ : ٥٧٨.