البحث الثاني (١)
الكون في المكان الذي هو عبارة عن الأين ليس هو الكون في الأعيان الذي هو الوجود (٢) ، لوجوه :
الأوّل : الوجود مشترك بين الموجودات ، فلو كان هو الكون في المكان لكانت الموجودات مشتركة فيه ، فتكون بأجمعها كائنة في المكان ، هذا خلف.
وفيه نظر (٣) ، فإنّ القائل بأنّ الأين هو الوجود لا يشير بذلك إلى أنّهما واحد ، بل إنّ الكون في المكان نوع مندرج تحت مطلق الكون في الأعيان ، ولا شكّ أنّ الحصول في المكان أخصّ من مطلق الحصول ، ولا يقول عاقل : إنّ الكون في المكان هو نفس الوجود مطلقا. نعم الكون المطلق ، أعني الوجود إذا أضيف إلى النسبة المكانية كان أينا باعتبار هذه الإضافة.
الثاني : لو كان الكون في المكان هو الوجود لكان الكون في الزمان كذلك. فإمّا أن يكونا شيئا واحدا ، أي وجودا واحدا منسوبا تارة إلى الزمان وتارة إلى المكان ، أو وجودين منسوبين إليهما. والأوّل باطل ؛ لأنّ كلّ واحد منهما مقولة ، فلو جعلناهما وجودا واحدا بالعدد لكانا مقولة واحدة لا مقولتين ، إلّا أن يجعل
__________________
(١) راجع المباحث المشرقية ١ : ٥٧٨.
(٢) قد أثبت في مباحث الوجود (في أوائل المجلد الأوّل) انّ الوجود نفس الكون في الأعيان ، فراجع.
(٣) ولصدر المتألهين أيضا نظر في هذا الوجه ، فراجع الأسفار ٤ : ٢١٦.