الوجود داخلا في مفهومهما ، ويكون لكلّ منهما أمر زائد على نفس الوجود ، وهو المعنى النسبي ، فيكون الوجود جنسا لهما ، فيكون هو المقولة دونها ، وقد أبطلناه. وإن كانا وجودين ، لزم أن تكون للشيء الواحد وجودات كثيرة.
ثمّ اعترضوا عليه فقالوا : هذا بناء على أن كلّ واحد من الكونين ، أعني الكون في المكان وفي الزمان ، معنى جنسي ، فلو كان الوجود داخلا في حقيقتهما ، لزم كون الوجود جنسا ، وهذا غير مسلّم ؛ فانّهما ليسا بجنسين ، فإنّ كلّ واحد منهما نفس الوجود عارضا له الإضافة إلى ما يضاف إليه ، فيكون وجودا واحدا بعينه ينسب تارة إلى المكان وتارة إلى الزمان. وهذه النسبة لا تقترن به اقتران الفصول المقومة لطبائع الأجناس ، بل اقتران العوارض. فإذن الوجود الذي عرضت له النسبة إلى المكان هو الذي عرضت له النسبة إلى الزمان ، فلا يلزم أن تكون للشيء الواحد وجودات كثيرة.
والتحقيق أنّ للمتمكن في ذاته وجودا وله نسبة إلى المكان ، والمفهوم من وجوده غير المفهوم من كونه في المكان أو في الزمان.
وأمّا الذي اختلفوا فيه أنّه هل هو نفس الوجود في الأعيان أم لا؟ فإن عنوا به تلك النسبة فلا ، بل هما متغايران. وإن عنوا به أمرا آخر وجب عليهم إيضاحه حتى نعلم زيادته أم لا.
الثالث (١) : الأين منه أوّل حقيقي ، وهو كون الشيء في مكانه الخاص به الذي لا يسعه معه غيره ، كالماء في الكوز ؛ ومنه ما هو أين غير حقيقي ، مثل : كون زيد في الدار ؛ ومعلوم أنّ زيدا لم يشغل جميع الدار بحيث يماس ظاهره جميع الجوانب ، وأبعد منه البلد ، ثمّ الإقليم ، ثمّ المعمورة ، ثمّ الأرض ، ثمّ العالم.
ولا يمكن أن يتصف جسمان بأين واحد بالعدد والأين أوّل حقيقي ،
__________________
(١) انظر هذا البحث في الفصل الخامس من سادسة مقولات الشفاء ؛ المباحث المشرقية ١ : ٥٧٩.