قال المتكلّمون : المحدث إمّا أن يكون متحيزا أو قائما بالمتحيز ، أو لا متحيزا ولا قائما به ، وهذا الثالث أنكره الجمهور من المتكلّمين (١).
وأقوى ما لهم فيه : أنّا لو فرضنا موجودا غير متحيز ولا حالّ فيه لكان مساويا لذات الله تعالى فيه ، ويلزم من الاستواء فيه الاستواء في تمام الماهية.
وهذا ضعيف ؛ لأنّ الاشتراك في السلوب لا يقتضي التماثل ، وإلّا لزم تماثل المختلفات ؛ لأنّ كلّ مختلفين لا بدّ وأن يشتركا في سلب ما عداهما عنهما.
قال أفضل المحقّقين : «الأقدمون من المتكلمين قالوا : المتحيز هو الجوهر ، والحالّ فيه هو العرض ، والموجود الذي لا يكون جوهرا ولا عرضا هو الله تعالى.
وعلى هذا الوجه قالوا باستحالة وجود محدث غير متحيز ولا حالّ فيه ، لا كما قاله(٢) ، فإنّ ذلك لا يقوله عاقل» (٣).
__________________
(١) قال : «إلّا شرذمة قليلة منهم غير محقّقين ، قالوا بوجود البقاء وإرادة الله تعالى ، وكراهيته لا في محلّ. وابن شبيب ـ من المتكلّمين ـ قال بوجود البقاء لا في محلّ» ، مناهج اليقين : ٢٣. ولذا عبّر هنا ب «الجمهور من المتكلّمين» وفي أنوار الملكوت ب «أكثر المتكلّمين» ، ص ١٨. وممّن أنكر الثالث إبراهيم بن نوبخت ، حيث قال : «الجوهر : هو المتحيز ، والعرض : الحالّ في المتحيز. ولا واسطة بينهما» نفس المصدر : ١٧. وقال القاضي عبد الجبار : «المحدث لا يخرج عن أن يكون حالا أو محلا» ، المحيط بالتكليف : ٩٧. وقال الايجي : «الحادث إمّا متحيز أو حال في المتحيز ... وما ليس متحيزا ولا حالا فيه لم يثبت وجوده عندنا» ، شرح المواقف ٢ : ٧٣ ـ ٧٤.
(٢) الرازي.
(٣) نقد المحصل : ١٤٢.