وفيه نظر ، فإنّ دعوى انحصار الموجود الذي لا يكون جوهرا ولا عرضا في الله تعالى إنّما يتم لو نفوا الموجود المجرد غير الله تعالى.
إذا عرفت هذا فنقول : المتحيز إمّا أن يقبل الانقسام أو لا ، والثاني هو الجوهر الفرد ، ولا يسمى جسما إلّا عند بعضهم فإنّه جعل المتحيز جسما سواء انقسم أو لا ، وعلى هذا يقول المجسّم : الله تعالى جسم ولا يقول بصحّة تجزيه.
والأوّل هو الجسم عند أبي الحسن الأشعري ، فإنّه جعل الجسم هو المتحيز المنقسم مطلقا. وأقلّ ما يحصل من جوهرين عنده (١). وليس بمتعارف عند الجمهور (٢) ؛ لأنّ المشهور من الجسم أنّه : الطويل العريض العميق ، أو المنقسم في الجهات الثلاث ، فالمتألف من جوهرين عند المعتزلة «خط» ، ومن أربعة «سطح» (٣) ، لأنّه يحصل من ضمّ خط إلى خط ـ لا في سمت الطول ـ ، ومن ثمانية «جسم» ؛ لأنّه يحصل بوقوع سطح على سطح. وعند الكعبي أقلّ ما يحصل منه الجسم أربعة جواهر ثلاثة كمثلث ورابعها فوقها ويصير بها كمخروط ذي أربعة أضلاع مثلثات (٤). وقال بعضهم من ستة جواهر ، بأن يقع سطح مثلث من ثلاثة جواهر على مثله ، وتحصل الأبعاد الثلاثة فيه ، وهو مذهب أبي الهذيل
__________________
(١) هذا ما اتّفق عليه الأشاعرة ، واختلفوا في أنّ الجسم هل هو مجموع الجزءين المتألفين ـ بأن يكون التأليف شرطا لحصول الجسم ـ ، أو كلّ واحد منهما جسم ، راجع مقالات الإسلاميين : ٣٠٢ ؛ أنوار الملكوت : ١٨ ؛ الباقلاني وآرائه الكلامية : ٣٣٦.
(٢) أي المعتزلة والفلاسفة. ومن المعتزلة النظام ومعمّر وأبو هذيل العلاف وضرار بن عمرو الجبائي.
نفس المصادر.
(٣) فهما (الخط والسطح) واسطتان بين الجوهر الفرد والجسم عند المعتزلة ، وداخلتان في الجسم عند الأشاعرة.
(٤) أنوار الملكوت : ١٨.