الوجه الأوّل (١) : الزمان مركب من أجزاء لا تتجزأ ، فالحركة كذلك ، فالجسم كذلك. أمّا الأوّل ، فلأنّه منقسم بالضرورة فمنه ماض ومنه مستقبل ، فإن لم يكن للحاضر وجود أصلا كان الزمان الموجود إمّا ماض وإمّا مستقبل لكنّهما معدومان ، فإنّ الماضي هو الذي كان موجودا ثمّ عدم ، والمستقبل هو الذي لم يوجد بعد ، فلو لم يكن الحاضر موجودا لزم أن لا يكون للزمان وجود البتة والتالي باطل ، فالمقدّم مثله. فثبت أنّ هنا زمانا حاضرا ، فنقول : ذلك الحاضر إن كان منقسما كان بعضه ماضيا أو مستقبلا والآخر حاضرا ، فلا يكون كلّ الحاضر حاضرا بل بعضه ، هذا خلف ، وإن لم يكن منقسما ثبت المطلوب. فإذا عدم ذلك الآن فلا يخلو إمّا أن لا يوجد عقيبه زمان أو يوجد ، فإن لم يوجد لزم انقطاع الزمان ، وهو باطل ، وإن وجد فإمّا أن يكون منقسما ، أو غير منقسم ، والأوّل باطل لما تقدم ، فثبت التالي ، فيلزم وجود آن عقيب الآن الأوّل وهكذا في كلّ زمان يفرض يجب أن يتركب من الآنات ، فقد ثبت وجود الآن وتركب الأزمنة من الآنات التي لا تقبل القسمة بوجه من الوجوه البتة.
فنقول : الحركة أيضا كذلك ؛ لأنّ الحركة الواقعة في الآن الذي لا يتجزأ ، إمّا أن تكون منقسمة أو غير منقسمة ، والأوّل باطل ، وإلّا لوجب انقسام الزمان المطابق لها ، لأنّ زمان نصف الحركة نصف زمان كلّها ، لكنّا فرضنا ذلك الزمان لا نصف له فوجب أن لا يكون للحركة نصف أيضا ، فثبت الثاني وهو أنّ في الحركة ما لا ينقسم ، فإذا عدمت تلك الحركة ثمّ وجدت أخرى في آن آخر وجب أن لا
__________________
(١) استدل الرازي بهذا الوجه وقال : «القول بالجوهر الفرد حق» ، معالم أصول الدين : ٣٥. ودافع عنه في المطالب العالية واختاره في المحصل والتفسير الكبير والأربعين وكتابه الموسوم بالجوهر الفرد. وأنكره في المباحث المشرقية وشرح الإشارات. وتوقف فيه في الملخص ونهاية العقول ، كان يقول : إنّه ليس أوّل من توقف في هذه المعضلة ، بل سبقه إمام الحرمين وأبو الحسين البصري.