لأنّه لو كان كذلك لكان إمّا أن يكون كلّ واحد من نصفيه مبدأ للحركة معا حتى يكون الشيء الواحد ملاقيا للشيئين دفعة ، وهو محال ، أو يكون أحد نصفيه هو المبدأ فيكون المبدأ ذلك النصف لا الكل وقد فرض الكل ، هذا خلف. ثمّ إنّا ننقل الكلام إلى ذلك النصف ، فإن كان منقسما عاد المحال ، وإن لم ينقسم وهو موجود بالفعل ، فإن كان مستقلا بذاته فهو الجوهر الفرد ، وإن افتقر إلى محلّ عاد التقسيم.
الوجه السابع : اتّفقت الفلاسفة على امتناع الانقسامات الغير المتناهية وأنّه يستحيل وقوعها بالفعل ، وما كان ممتنعا استحال كون الشيء قابلا له. فإذن يستحيل أن يكون الجسم قابلا لما لا يتناهى من الانقسامات ، فهو إذن إنّما يقبل القسمة المتناهية ، وهو المطلوب.
اعترض (١) بأنّ قبول الجسم لانقسامات غير متناهية ليس أنّه قابل يقبلها بمجموعها بحيث يحصل جميعا في الوجود ، بل المراد أنّه لا ينتهي إلى حدّ إلّا ويقبل بعد ذلك تقسيما آخر ، وذلك لا ينافي قولنا : إنّه يستحيل قبول التقسيمات الغير المتناهية. وسيأتي بطلان هذا.
الوجه الثامن (٢) : الجسم قابل للقسمة فيكون ذلك لأجل التأليف ، لأنّ قبول القسمة ليس لذاته ولا لشيء من لوازم ذاته ولا لتحيزه ، فإنّ الشيء بعد القسمة تكون ذاته ولوازم ذاته وتحيزه موجودة مع أنّه لا يقبل تلك القسمة ؛ ولا للفاعل ، لأنّ الفاعل لا يجعل غير المنقسم منقسما. فقبول القسمة إذن لأجل معنى
__________________
(١) المعترض هو ابن سينا في الفصل الخامس من المقالة الثالثة من الفن الأوّل من طبيعيات الشفاء. راجع أيضا المباحث المشرقية ٢ : ٤٢.
(٢) قال ابن سينا : «وهذا الاحتجاج مبدؤه لذيمقراطيس إلّا أنّه حرّف منه بشيء يسير» ، نفس المصدر من ابن سينا ، الفصل الثالث.