وفيه نظر (١) ، لأنّهم كما قالوا باشتمال الجسم على ما لا يتناهى من الأجزاء وإن كان متناهيا ، كذا قالوا باشتمال الزمان المتناهي على أجزاء غير متناهية ، فيقع قطع كلّ جزء من أجزاء المسافة في جزء من أجزاء الزمان ، وهما على التساوق غير متناهيين ، فلا يرد عليهم ذلك حينئذ.
وهم اعتذروا عن ذلك بالطفرة ، وسيأتي بيان بطلانها.
وهذا كما يلزم النظّام كذا يلزم الحكماء القائلين بأنّ الجسم واحد لكنّه يقبل القسمة إلى ما لا يتناهى ، لانّهم يقولون : اختلاف الاعراض توجب القسمة الفعلية والمماسات هنا ثابتة بالفعل فكان يجب الانقسام الفعلي ، فلا ينفع الاعتذار بوحدة الجسم مع أنّ الاختلاف في الأعراض يوجب التكثر.
الوجه العاشر : لو كان في الجسم أجزاء غير متناهية إمّا بالفعل أو بالقوة لصحّ أن يوجد في الخردلة ما يغشي بها وجه العالم بأسره ، وهذا محال بالضرورة ، فما أدى إليه محال.
اعترض (٢) بأنّه مشترك الالزام ، لأنّه (٣) بتقدير تسليم الجزء لا يمكننا المنع من ذلك ، إذ ربما تكون في الخردلة من الأجزاء التي لا تتجزأ ما تبلغ كثرتها إذا
__________________
(١) راجع نفس المصدر ؛ المباحث المشرقية ٢ : ٤٢ ؛ نقد المحصل : ١٨٦ ـ ١٨٧.
وقال الرازي : «واعلم : انّ أبا الهذيل العلاف لما احتج بهذا الدليل على النظام ، أجاب النظام عنه : بأنّ المحال إنّما يلزم لو كان المتحرك تحرك على جميع أجزاء المسافة ، وليس الأمر كذلك ، بل إنّه تحرك على بعضها وطفر على الباقي ... قال : والقول بالطفر ، وإن كان بعيدا جدا ، إلّا أنّ القول بإثبات الجوهر الفرد ، يلزم عليه تفكك حجر الرحى. فإذا جاز لكم التزام ذلك المستبعد ، فلم لا يجوز أيضا التزام مثل هذا المستبعد» ، المطالب العالية ٦ : ٦٩.
(٢) المعترض هو ابن سينا في الفصل الخامس من المقالة الثالثة من طبيعيات الشفاء ١ : ١٩٩ ـ ٢٠٠.
وذكره الرازي في المباحث المشرقية ٢ : ٤٢.
(٣) ق : «لأن».