أوّل المسافة إلى آخرها مركبة من أمور كلّ واحد منها لا يقبل الانقسام ، وهذا هو معنى قول المتكلمين : الحركة عبارة عن حصولات متتالية في أحياز متوالية.
اعترض : بأنّ الحركة لفظا يقال على قطع المسافة وعلى موافاة الحدود ، ومعنى قطع المسافة أنّ المتحرك إذا تحرك من أوّل المسافة إلى آخرها فلا شكّ أنّه قطع تلك المسافة (١) ، فهذا القطع يسمى بالحركة. والحركة بهذا المعنى غير موجودة في الخارج ؛ لأنّ القطع لا يتوهم وجوده إلّا عند انتهاء (٢) المتحرك إلى آخر المسافة ، وحينئذ تنتفي الحركة وتعدم ، فالحركة بهذا المعنى لا تحقق لها في الخارج.
وأمّا الحركة بمعنى موافاة الحدود المفترضة في المسافة ، فهي أنّ المتحرك ما دام يكون على مبدأ المسافة لم يتحرك وما دام على المنتهى فقد عدمت الحركة عنه ، فهو إذن إنّما يتحرك بين ذلك المبدأ وذلك المنتهى لا مطلقا ، ولكن بشرط أن لا يكون بحيث لا يفرض آن من الآنات إلّا وهو يكون في حدّ آخر من الحدود المتوسطة بين ذلك المبدأ وذلك المنتهى بحيث لا يكون قبله ولا بعده فيه ، فهذا التوسط على هذا الوجه هو أمر واحد يوجد في الحال ؛ لأنّه لا آن يفرض إلّا ويكون الجسم فيه موصوفا بهذا التوسط ، ثمّ إنّ هذا التوسط أمر واحد بالذات باق بعينه ما دام الجسم متوسطا بين ذلك المبدأ والمنتهى. فظهر أنّ الحركة بمعنى القطع غير موجودة في الخارج ، وبمعنى التوسط موجودة في الخارج حاصلة في الآن باقية في جميع مدّة كون الجسم متوسطا بين ذلك المبدأ والمنتهى.
وأجيب : بأنّ الدليل ليس مبنيا على لفظ الحركة حتى يجب البحث عن تفسيرها ، بل هو مبني على أمر محسوس وهو انتقال الجسم من مكان إلى مكان ، وهذا لا سبيل إلى إنكار وجوده في الخارج.
__________________
(١) ق : «المسافة إلى آخرها».
(٢) ق : «انهاء».