وما هو حقّ لا تنتجه هذه الحجة.
لا يقال : اختلاف التماس يوجب امتياز أحد طرفي الجزء عن الآخر لا التنصيف.
لأنّا نقول : الطرفان إن كانا عرضين في الجزء وتميّز العرضين يوجب تميز المحلين ، ثمّ المحلان لو كانا عرضين تسلسل ، فلا بدّ وأن ينتهي إلى مقوّمين كلّ منهما يتميز عن الآخر وتميزهما يوجب القسمة ، وإن كانا جزءين عاد الإشكال.
ومن تمسك بهذه الحجّة على إثبات انقسامات غير متناهية بالفعل ، فهو باطل ؛ لأنّ هذه الحجّة تنفي وجود جزء واحد في الجسم ، لأنّ أيّ شيء فرض واحدا فهو ملاق بأحد طرفيه شيئا وبطرفه الآخر يلاقي آخر وهو يوجب الانقسام ، فلا يكون ذلك الواحد واحدا. فهذه الحجّة تنفي وجود الجزء الواحد ، ومتى لم يوجد الواحد لم توجد الكثرة ؛ لأنّ الكثرة مجموع الآحاد ، فهذه الحجّة تنفي وجود الكثرة مع أنّها توجب وجود الكثرة ، هذا خلف. فهذه الحجّة لا تنتج نتيجة صادقة ، فهي إذن مغالطة.
الثاني : لم لا (١) يجوز أن يقال : الجزء الذي لا يتجزأ يكون واحدا في ذاته وإن كان متكثرا في جهاته واعتباراته؟ وكثرة الجهات والاعتبارات لا توجب كثرة الذات ؛ فإنّ المماسة من باب الإضافة ، ولو كانت كثرة الإضافات توجب كثرة الذات لكانت الوحدة التي هي أبعد الأشياء عن طباع الكثرة أكثر من كلّ كثير ، لأنّ لها (٢) بحسب كلّ مرتبة من مراتب الأعداد الغير المتناهية نسبة خاصة ، ولكان الباري تعالى متكثّر الأجزاء بسبب كثرة إضافاته.
__________________
(١) ق : «لم».
(٢) في النسخ : «له» ، أصلحناها طبقا للسياق.