وعن الثالث : أنّ الصفحة العليا من الجسم ليست ملاقية لما تحتها ، فإنّ هذا إنّما يقوله من يذهب إلى تركّب الجسم من الأجزاء لا من ينفيه ، فإنّه يقول : الجسم واحد ونهايته السطح وهو عرض غير ملاق لما تحته ، إذ ليس هو بجسم ، وهذا الشاك توهم أنّ السطح صفحة وتحته صفحة أخرى ، ثمّ كلّ منهما يلاقي الأخرى ، وهو مصادرة على المطلوب.
وقد أجاب أبو هاشم : بأنّ معنى قولنا في الجوهر : إنّه يصحّ أن تلقاه ستّة أمثاله ، وأنّ له جهة هو اختصاصه بحال تكونه عليها يصحّ في ستة أمثاله أن ينضم إليه من هذه الجهات الست وتلك الحالة هي تحيزه ، فيصير الجوهر بهذا الحكم مفارقا للعرض الذي لا يصحّ أن يحجز بين الشيء وبين غيره ، ولا أن ينضم إليه ستة أمثاله ، وإذا كان هذا هو الغرض بهذه العبارة بطل تقديرهم أنّ هاهنا جهات للجزء يلقى ببعضها دون غيره. وعلى هذا القول يثبت للجوهر الجهة ، وإن لم يلاق (١) غيره ؛ لأنّ الصفة التي ذكرناها ثابتة عند وجوده لا محالة.
وأمّا أبو الهذيل وأبو علي وأبو القاسم فقالوا : إنّ الجوهر يلقى غيره بجهة ، ولكن جهة الجوهر غير الجوهر ، كما أنّ طرف الشيء غيره ولذلك حده غير له ، ويراد بالغير الأجزاء التي تلاقيه ، وعلى هذا متى كان منفردا فلا جهة له.
ب. إذا ركّبنا خطا من ثلاثة أجزاء ، ثمّ وضعنا جزءين على طرفي الخط ، فأنّ الجزءين تصح الحركة على كلّ منهما والجزء الذي يتوسطهما فارغ ولا مانع يمنع من الحركة ، فتكون الحركة ممكنة ، للضرورة القاضية بذلك. ولأنّه يلزم أن لا يحصل الجزء في شيء من الأحياز ؛ لأنّه لا جزء إلّا ويمكن وقوعه على مفصل جزءين. فإذن تصحّ الحركة على الجزءين معا إلى الالتقاء ، وإذا فعلا ذلك فيكون كلّ منهما مماسا
__________________
(١) ج : «يلاقه».