أمّا الصور الأولى ، فتعدم بعدم (١) التركيب والمزاج ، لأنّها تابعة لهما ولا بقاء للتابع من دون متبوعه (٢).
وأمّا الصور الثانية ، فذهب المشّاءون إلى أنّ لها حدا في الصّغر صور الماء ، وكذا للهواء وباقي العناصر ؛ لأنّ الأجسام لو احتملت الانقسام لا إلى نهاية مع بقاء صورها النوعية لأمكن عليها الامتزاج وكان الفعل والانفعال فيها أسهل ، فكان يمكن حصول اللحم والعظم وأصناف التراكيب من الأركان الأربعة في غاية الصغر ، فكان يحصل فيل على قدر الذرة. ولو أمكن ذلك كان أكثري الوجود لا أقلي الوجود ؛ لأنّ امتزاج الأقل قبل امتزاج الأكثر ، لأنّ الأكثر إنّما يحصل عن اجتماع الأقل وحصوله بعد حصوله. ولما لم يوجد ذلك البتة ولا نادرا علمنا أنّ للأجسام حدا في الانقسام والتصغر مع بقاء صورها النوعية.
ولا يمكن عكس هذا الدليل علينا ، فيقال :
لم لا توجد بعوضة في (٣) قدر الفيل؟
لأنّا نقول : تصغر الأجزاء يعين على الامتزاج وكبرها مما يعوق عنه ، ولهذا استعين على تكوينها بالدّق والسحق.
والاعتراض من وجوه (٤) :
الأوّل : لو سلّمنا أنّ امتزاج الأقلّ عددا قبل امتزاج الأكثر عددا ، لكنّه غير نافع ؛ لأنّ الكلام ليس فيه ، لكن لا نسلم أنّ امتزاج الأقل مقدارا قبل امتزاج
__________________
(١) ق : «لعدم».
(٢) في النسخ : «مطبوعه».
(٣) ق : «على».
(٤) والمعترض ابن سينا حيث يدافع عن أصول المشائين بهذه الوجوه ويناقض بها رأي انكساغورس ، فراجع نفس المصدر.