وأيضا ينبغي أن تعلم أنّ الوحدة الشخصية والتعدد الذي يقابلها أيضا لا يعرضان للمادة إلّا بعد تشخصها المستفاد من الصورة ليوقف على أحوال الشبه المبنيّة على اتصاف المادة بالوحدة أو التعدد ، كقولهم : لو كان تعدد الجسمية بعد وحدتها (مقتضيا لانعدامها ومحوجا إلى مادة توجد في الحالتين لكان تعدد المادة بسبب الانفصال بعد وحدتها مقتضيا لانعدام المادة الأولى و) محوجا إلى مادة أخرى (و) يتسلسل ؛ لأنّ المادة الموجودة في الحالتين غير موصوفة بنفسها بوحدة ولا تعدد ، (بل) إنّما تتصف بهما عند تعاقب الصور»(١).
وفيه نظر ، لأنّا لا نسلّم أنّ ذلك الشيء في ذاته لا يكون متصلا ولا منفصلا ، وكيف لا يكون كذلك والاتصال والانفصال أمران مغايران (٢) للحقيقة؟ نعم يجب اتصافها بأحدهما لكن ذلك لا يوجب كون أحدهما جزءا.
قوله : «لا يكون من حيث ذاته بحيث تفرض فيه الأبعاد الثلاثة».
قلنا : إن أردت بذلك أنّه من حيث ذاته يقتضي عدم فرض الأبعاد الثلاثة ، فهو ممنوع ، وإن أردت أنّه من حيث ذاته لا يقتضي فرض الأبعاد الثلاثة ، فهو مسلّم ؛ لأنّه إنّما يقتضي ذلك بواسطة الاتصال.
قوله : «فلا يكون جسما».
قلنا : لا نسلّم. أمّا أوّلا : فلأنّه ليس حدّ الجسم ما ذكرت ، على ما تقدم. وأمّا ثانيا : فلأنّ الجسم ليس الذي فرض فيه الأبعاد الثلاثة بالفعل ، بل الذي يمكن أن تفرض فيه.
والاتصال ، إن أريد به المعنى المتعارف منه ، منعنا كونه مقوما للجسم ؛ فإنّه لا يعقل الجسم متقوما بالمعنى الإضافي.
__________________
(١) شرح الإشارات ٢ : ٤٥ ـ ٤٦. وما بين الأقواس من المصدر.
(٢) ق : «متغايران».