والطبيعة المذكورة تقتضي وجوب الحلول لا الإمكان المحتمل لعدم الحلول. والوجود ليس من الطبائع الجنسية والنوعية على ما سيجيء بيانه (١).
وفيه نظر ، فإنّ القبول الراجع إلى الماهية غير مقتض لمقارنة المادة ، وإنّما يقتضي مقارنة المادة الإمكان الاستعدادي ، وهو ممنوع الثبوت في بعض الأجسام ، فلا بدّ من التوصل بالتساوي في طبيعة الجسمية.
واقتضاء الطبيعة الوجوب ، ممنوع ؛ لأنّ المقتضي لثبوت المادة هو الافتكاك العقلي ، وهو غير واجب الوجود ، وإن لم يكن من الطبائع الجنسية والنوعية لكنّه كلي ، وقد اقتضى لذاته في بعض الموارد شيئا دون الباقي ، فجاز في الصورة ذلك. واعترض أيضا بمذهب ذيمقراطيس ، وقد سبق.
الوجه الثاني : الجسمية مما يصح عليها العدم ، وكلّ ما كان كذلك فله مادة.
أمّا الصغرى ، فلأنّها عبارة عن الاتصال ، وعند الانفصال يعدم. ولأنّ كلّ قوة جسمانية ، فانّها لا تقوى على بقاء غير متناه. فإذن الجسمية ممّا يجب عليها العدم.
وأمّا الكبرى ، فلأنّ الجسمية الزائلة كانت قبل زوالها ممكنة الزوال والطارئة كانت قبل حدوثها ممكنة الحدوث ، فقوة حدوثها وقوة فسادها تستدعي محلا ، وليس ذلك هو تلك الجسمية ؛ لأنّ محلّ الشيء يبقى معه ، والجسمية لا يمكن أن توجد عند عدمها ، فتلك القوة موجودة في شيء كان موجودا عند وجود الاتصال.
وبهذا يزول الشكّ بأنّ الانفصال عدم فلا يفتقر إلى المحل ؛ لأنّه عبارة عن عدم مقارن لقوة وجود ، وتلك القوة لا تستغني عن المحل. وهذه الحجّة هي الأولى في الحقيقة.
__________________
(١) المصدر نفسه : ٥٢ ـ ٥٣.