والاعتراض قد بيّنا امتناع وجود القوة والإمكان في الأعيان ، وإلّا لزم التسلسل ، وافتقرت المادة إلى مادة أخرى لأنّها ممكنة. والفرق بأنّ الإمكان الراجع إلى الماهية غير الاستعدادي ، ضعيف ؛ لأنّه هو في الحقيقة أقصى ما في الباب أنّه أخذ راجحا في أحد طرفيه.
وأيضا الإمكان صفة للحادث والفاسد ، فكيف يعقل قيامه بغيرهما؟
وكون الحادث حالا في هذه المادة فيرجع إمكانه إلى إمكان اتصاف المادة به فلا استحالة ، باطل ؛ لأنّ هنا في الحقيقة إمكانان ، أحدهما : إمكان الحادث ، والثاني : إمكان اتصاف المادة به ، بل وإمكان ثالث هو : إمكان حلوله في المادة.
وأيضا يبطل دليلكم بالفلك عندكم ، فإن جعل السبب في دوامه دوام فيض المفارق أمكن أن يجعل هنا كذلك.
الوجه الثالث (١) : الجسم من حيث هو جسم موجود بالفعل ، ومن حيث إنّه مستعد ـ أيّ استعداد شئت ـ فهو بالقوة ، والشيء الواحد من الجهة الواحدة لا يقتضي قوة وفعلا ، لأنّ الواحد لا يصدر عنه إلّا الواحد ؛ ولأنّ القابل من حيث إنّه قابل لا يجب له القبول ، ومن حيث إنّه فاعل له الأثر ، فلو كان الشيء الواحد قابلا لشيء واحد وفاعلا له لكان الشيء الواحد نسبته إلى الشيء الواحد قابلا لشيء واحد وفاعلا له لكان الشيء الواحد نسبته إلى الشيء الواحد بالوجوب والإمكان معا ، وهو محال.
فإذن الجسم مركب ممّا عنه له القوة وممّا عنه له الفعل (٢).
والاعتراض من وجوه (٣) :
__________________
(١) ويأتي هذا الوجه في ص ٥٣٧ أيضا (في إثبات عدم انفكاك الهيولى عن الصورة).
(٢) فالذي له به الفعل هو صورته ، والذي عنه بالقوة هو مادته ، وهو الهيولى. الفصل الثاني من المقالة الثانية من إلهيات الشفاء : ٦٧.
(٣) أنظرها في المطالب العالية ٦ : ٢٠٩ ؛ المباحث المشرقية ٢ : ٤٩.