قيل (١) : المادة لها من ذاتها القوة ، وكونها بالفعل بسبب الصورة ، فما هو المبدأ لكونها بالقوة ليس هو المبدأ لكونها بالفعل ، وهو عين كلامنا.
لا يقال : الصورة تحتاج في حدوثها إلى المادة فكيف تكون مبدأ لوجودها؟
لأنّا نقول : سيأتي جوابه في باب تعلق الهيولى بالصورة.
والاستعداد (٢) لا بدّ له من سبب زائد على ذات النفس وهو البدن وعلائقه. وسيأتي أنّه لو لا تعلق النفس بالبدن (وإلّا) (٣) لامتنع أن يحصل لها كمال بعد أن لم يكن. فأمّا كون الصورة محتاجة إلى المادة في الوجود والنفس غير محتاجة إلى البدن ، فذلك إنّما يعرف بدليل آخر.
والقوة (٤) والفعل سواء كانا بالنسبة إلى أمرين أو أمر واحد فإنّهما أمران يستدعيان مؤثرين.
وفيه نظر ، فإنّ قولك : «المادة لها من ذاتها القوة ، وكونها بالفعل بسبب الصورة» إن عنيتم بذلك أنّ المادة ليست إلّا القبول ولا ذات لها ولا وجود البتة وإنّما الوجود للصورة خاصة ، فهو مخرج لها عن كونها جزءا من الجسم الموجود بالفعل ، لأنّ جزء الموجود بالفعل موجود بالفعل بالضرورة. وأيضا القبول كيف يعقل أن يكون جوهرا متأصلا في الوجود غنيا عن الموضوع؟ والمادة عندهم جوهر ، لأنّهم يقسمون الجوهر إليها وإلى باقي أقسامه. ولأنّ القبول إضافة والمادة ليست إضافة. ولأنّ القبول عدمي فلا يكون جزءا من الوجودي.
وإن عنيتم به أنّ لها ذاتا وحقيقة مخصوصة متميزة بنفسها وحقيقتها عن
__________________
(١) جواب على الاعتراض الثالث ، والقائل هو الرازي في المباحث المشرقية ٢ : ٤٩.
(٢) جواب على الاعتراض الرابع.
(٣) ما بين الهلالين ساقط في المصدر.
(٤) جواب على الاعتراض السادس.