وقد ظهر من قوله هذا أنّ البرهان لا يدل على المطلوب ، بل على ما هو أعم من المطلوب.
وأيضا يجوز اتصاف الهيولى في حال تجردها بأوصاف متعاقبة يقتضي أحدها تخصصها بأحد الأوضاع الممكنة بعد حلول الصورة فيها (١).
اعترضه أفضل المحقّقين : بأنّ الهيولى الموصوفة بتلك الأوصاف إن تخصصت بوضع فهي غير مجردة ، وإن لم تتخصص فنسبتها مع الأوصاف إلى جميع الأوضاع واحدة (٢).
وفيه نظر ، لمنع الملازمة الأولى.
لأنّا نقول : إن عنيت بعدم تجردها وجوب مقارنتها للصورة ، فهو ممنوع. وإن عنيت بذلك أنّها غير متجردة عن شيء ما ، سلمنا ، لكن لا يدل على امتناع تجردها عن الصورة. فإن حصر أسباب التخصص بالوضع في الصور ، منعناه.
سلمنا ، لكن نمنع الملازمة الثانية ، لأنّ النسبة واحدة حالة التجرد ، أمّا حالة اقتران الصورة فلا ؛ لجواز أن يكون الوصف إنّما يقتضي التخصص بشرط اقتران الصورة.
سلمنا ، لكن المحال إنّما يلزم إذا قلنا بمصادفة الصورة الجسمية وحدها للمادة. فلم لا يجوز أن يقال : الصورة الجسمية متى صادفت المادة لزمتها صورة أخرى تخصص الجسم بالحيز المعين.
قيل (٣) : «الذي يخصص الجسم بالحيز المعين إن كان لازما للصورة
__________________
(١) والعبارة في شرح الإشارات هكذا : «وأمّا تشكيكه بتجويز اتصاف الهيولى في حال تجردها بأوصاف متعاقبة يقتضي ...» المصدر نفسه : ٩٩.
(٢) المصدر نفسه : ٩٩ ـ ١٠٠.
(٣) والقائل هو الرازي ، راجع المباحث المشرقية ٢ : ٥٥ ـ ٥٦.