وقت آخر كالكلام في الأوّل وهو يفضي إلى التسلسل. ويستحيل أن يوجد الكل دفعة واحدة ؛ لاستحالة وجود ما لا يتناهى من العلل دفعة. ولأنّها بأسرها إذا حصلت في ذلك الوقت دون غيره فلا بدّ لحصولها بأسرها في ذلك الوقت على الخصوص من سبب مخصص.
فحدوث الحوادث ليس دفعة ، بل على التعاقب ، واحد بعد آخر ، فالمادة كانت قبل تلك الصورة موصوفة بصورة أخرى ، فإذن قد كانت موصوفة بالجسمية.
وأمّا إن قيل : إنّ المادة لم تكن ممكنة القبول للصورة أزلا (١) ، فهو محال ؛ لأنّ الإمكان من لوازم الماهية واللازم ثابت أبدا.
والاعتراض : لم لا يجوز أن تكون المادة وإن كانت أبدا موصوفة بالصفات إلّا أنّها في بعض الأحوال قد كانت خالية عن الجسمية وقد كان في المادة قبل الجسمية من الصفات والأحوال ما أعدها لقبول الجسمية؟ وأيضا فالذي ذكرتموه يوجب امتناع خلو المادة عن الصورة نظرا إلى دوام فاعلية المبدأ الأوّل ، لكن لا يوجب ذلك احتياج المادة في ذاتها إلى الصورة.
سلمنا ، لكن لم لا يجوز أن يكون هناك مانع من حصول الصورة في المادة؟ والتسلسل الذي الزموه جائز عندهم ، لكن لا يجب اتصاف المادة بالصور دائما ، بل جاز أن تتصف بالأعراض المتعاقبة.
الثالث : تجرد المادة عن الصورة إن كان لذات المادة وجب تجردها أبدا ، وإن كان لأمر فهي حين كانت خالية عن الصور كانت موصوفة بذلك الزائد الذي أفادها التجرد ، فهي عند براءتها عن الصورة موصوفة بالصورة ، هذا خلف.
__________________
(١) في النسخ : «أولا» ، وما أثبتناه من المباحث.