والاعتراض (١) : أنّ التجرد قيد عدمي وعلّة العدم عدم العلّة ، فالتجرد عن الصورة معلل بعدم الصورة الجسمانية.
سلمنا أنّه لا بدّ من أمر ، لكن لم قلتم : إنّه يجب أن يكون صورة جسمية؟
الرابع : لو كانت المادة مجردة لكان لها وجود بالفعل ولكان لها استعداد لقبول الصورة ، وقد بيّنا أنّ الشيء الأحديّ الذات لا يكون بالقوة والفعل معا ، فيجب أن تكون المادة المجرّدة مركّبة من المادة والصورة لتكون المادة مبدأ لما فيها من الاستعداد والصورة مبدأ لما فيها من الحصول ، فلا تكون المادة المجرّدة مجرّدة بل مع صورة. وقد سبق البحث عن هذه الحجّة (٢). على أنّ ذلك لازم عليهم وإن كانت مع الصورة ؛ لأنّها إن لم تكن موجودة بالفعل فالمطلوب ، وإن كانت لزم ما قالوه.
الخامس : لو قدّرنا أنّ الجسم الواحد فارق صورته ، وقدّرنا أيضا أنّه قبل هذه المفارقة انقسم وبعد الانقسام فارقت الصورة عن الجزءين ، فإن ساوت كلّ المادة نصفها كان الشيء مع غيره كهو لا مع غيره ، وهو معلوم البطلان بالبديهة ، وإن خالفته فذلك الاختلاف ليس بالماهية ولا لوازمها ، فهو بالعوارض وهو كون إحداهما كلا والأخرى جزءا ، وذلك إنّما يكون بسبب التفاوت في المقدار.
فإذن المادة قبل اتصافها بالصورة كانت موصوفة بالمقدار ، وإذا كان المقدار حاصلا كانت الجسمية حاصلة ، فالمادة قبل اتصافها بالصورة الجسمية موصوفة بها ، هذا خلف.
والاعتراض : لا نسلّم أنّه مع الانقسام يبقى كلّ ومع الاتصال يبقى جزء ، وهذا عين مذهبهم. ولا تطلق عليها المساواة وعدمها عدم الملكة ؛ لأنّ ذلك إنّما
__________________
(١) المعترض هو الرازي في المباحث المشرقية ٢ : ٥٨.
(٢) في ص ٥١٨ (الوجه الثالث في إثبات الهيولى).