لأنّا نقول : فليكن تقدمها في الوجود وحده سببا في المنفردة عن المادة».
قال أفضل المحقّقين : «منشأ الاختلاف هو المادة فهي تختلف بذاتها وتختلف غيرها من الصور والأعراض المادية بها ، كالزمان الذي يقتضي التقدم والتأخر لذاته وتصير الأشياء متقدمة ومتأخرة بسببه ، فلذلك احتاجت الصورة في اختلاف أحوالها إلى المواد ولم تحتج هي إلى غيرها» (١).
وفيه نظر ؛ فإنّ المادة قابلة فكيف يصدر عنها الاختلاف؟ والقابل عندهم لا يكون فاعلا. ثمّ لو كان الاختلاف بالمادة لما حصل إلّا بها ، ونحن نعلم بالضرورة أنّا لو فرضنا مقدارا مجردا ذا طول معين وآخر أقصر ، فإنّ هذه المقادير مختلفة بالضرورة من دون المادة.
وأيضا كيف يمكن أن تكون المادة منشأ الاختلاف وعندهم مادة الجسم واحدة؟ مع أنّ كلّ الجسم وجزؤه مختلفان ، فإن كان بالمادة لزم وجود ما لا يتناهى من الأجزاء دفعة.
الوجه الثاني : جزء الصورة يخالف كلّها في المقدار والمقدار من توابع المادة ، فالصورة الغير المادية مادية ، هذا خلف. وقد سلف الاعتراض عليه.
الوجه الثالث : الصورة المفارقة إن كان إليها إشارة فهي ذات جهة ومختصة بمادة ، وإن لم تكن مشارا إليها فهي غير الصورة التي نشير إليها حال كونها مقارنة.
والاعتراض : لا نسلم أنّ الصورة حالة الخلو عن المادة يكون مشارا إليه بالذات ، كما أنّ الهيولى غير مشار إليها بالذات فإنّ ذاتها غير مختصة بالجهة ، بل المشار إليه بالذات المقدار.
__________________
(١) المصدر نفسه.