الواحدة لا تقتضي أكثر من معلول واحد. فإذن صدور أحدهما عن العلّة قبل صدور الآخر، وهو المطلوب.
وأمّا من يجوّز صدور المعلولين عن الواحدة فانّه يبطل هذا القسم ، فإنّ معلولي العلّة الواحدة لو لم تكن لأحدهما حاجة إلى الآخر لم تكن الملازمة بينهما ذاتية ، بل كانت اتفاقية ، كناطقية الإنسان وناهقية الحمار (١) ، لكن الملازمة بين الهيولى والصورة ذاتية.
قال أفضل المتأخرين : «لا يلزم من استغناء كلّ واحد من الشيئين عن صاحبه صحّة وجود كلّ منهما مع عدم الآخر ، ولا دليل على ضدّ ذلك ، بل الوجود يكذبه ، فإنّ الإضافات لا توجد إلّا معا مع أنّه ليس لواحدة منهما حاجة إلى الأخرى ، لأنّ إحدى الإضافتين لو احتاجت إلى الأخرى لتأخّرت عنها ، فلا تكونان معا. وللزم من احتياج الأخرى إليها الدور.
فإن قلتم : التلازم من غير علّية إنّما يعقل في الإضافات.
قلنا : دعوى انحصاره في الإضافات يفتقر إلى برهان» (٢).
أجاب أفضل المحقّقين : بأنّ التلازم عند التحقيق لا تقتضيه إلّا العلّة الموجبة ، وتكون إمّا بينها وبين معلولها أو بين معلولين لها لا كيف اتّفق ، بل من حيث تقتضي تلك العلّة تعلّقا ما لكلّ واحد منهما بالآخر ، وكلّ شيئين ليس أحدهما علّة للآخر ولا معلولا ولا ارتباط بينهما بالانتساب إلى ثالث كذلك فلا تعلق لأحدهما بالآخر ، ويمكن فرض وجود أحدهما منفردا عن الآخر ، لكن الجمهور لا يتفطّنون لذلك ويظنّون أنّ التلازم بين شيئين ليس أحدهما علّة للآخر ربما يكون من غير أن يقتضي الارتباط بينهما ثالث ، ويتمثّلون في ذلك بالمضافين.
__________________
(١) بأن نقول : متى كان الإنسان ناطقا فالحمار ناهق.
(٢) شرح الإشارات ٢ : ١٤٥. بتصرف من العلّامة.