الصورة فهو ذلك الذي انضم إلى المادة ، فيكون ذلك المنظم هو الصورة.
وفيه نظر بمنع (١) الملازمة.
وإذ تمهدت هاتان المقدمتان فنقول : المادة والصورة متلازمتان ، وليس تلازمهما في الماهية ، وإلّا لكانا مضافين ، وكان لا يمكن تعقّل الجسمية إلّا إذا عقلنا أنّ لها مادة ، وأن لا نعقل ماهية المادة إلّا إذا عقلنا أنّ فيها أو معها جسمية ، لكنّه ليس كذلك ، فإنّ إثبات المادة للجسمية يحتاج إلى البرهان وملازمة الجسمية للمادة مطلوبة بالبرهان ، فعرفنا أنّ هذه الملازمة ليست بين الماهيتين بل بين الوجودين ، وقد ثبت أنّ كلّ ما كان كذلك فانّه يكون أحدهما علّة لصاحبه ، وقد ثبت أيضا انتفاء علّية المادة في الصورة ، فتعين أن يكون للصورة تقدّم ، فنقول حينئذ : لا يخلو إمّا أن تكون الصورة علّة مستقلة لوجود المادة أو لا ، والأوّل باطل لوجوه :
الأوّل : الصورة الجسمانية محتاجة إلى المادة ، والمحتاج إلى الشيء يستحيل أن يكون علة مطلقة له.
الثاني : ما يحتاج في ذاته إلى الشيء يحتاج في فاعليته إلى ذلك الشيء ، لأنّ الموجودية جزء من الموجدية ، فلو كانت الصورة الجسمية علة للهيولى لكانت عليّتها للهيولى بواسطة الهيولى فتكون الهيولى واسطة في حصول نفسها ، فتكون الهيولى موجودة قبل وجودها ، هذا خلف.
الثالث : الصورة الجسمية لا توجد إلّا مع التناهي والتشكل وهما من توابع المادة. وهذا الدليل متوقف على مقدمات (٢) :
المقدمة الأولى : المتأخر عن المتأخر عن الشيء يجب أن يكون متأخّرا عن
__________________
(١) ج : «لمنع».
(٢) ذكرها الرازي في شرح الإشارات ٢ : ١٢٦.