الوجود وكوجود الملاء ونفي الخلاء على تقدير كون نفي الخلاء أمرا مغايرا له في التصور. وقد تطلق على المتصاحبين بالاتفاق ، كمعلولين اتّفق أنّهما صدرا عن علّة واحدة بحسب أمرين أو اعتبارين فيها (١) ولا يكون لأحدهما بالآخر تعلّق غير ذلك ، كالفلك والعقل المذكور. ولا شكّ أنّ وقوع اسم المع في الموضعين ليس بمعنى واحد ، فلعلّ الفرق هو تلك المباينة المعنوية»(٢).
المقدمة الثالثة : قد بيّنا أنّ الجسمية لا تنفك عن التناهي والتشكل ، وظاهر انّهما لا يوجدان إلّا مع الجسمية ، وقد سبق أنّ الجسمية لا يمكن أن تكون علّة لهما ، فهما إذن غير متأخرين عن الجسمية ، وما لا يكون متأخرا عن الشيء فهو إمّا مع الشيء أو يكون متقدما عليه ، فثبت أنّ التناهي والتشكل إمّا أن يكونا قبل الجسمية أو معها.
واعترض أفضل المتأخرين : بأنّ الشكل هيئة إحاطة الحدّ أو الحدود بالجسم فهي متأخرة عن الحدود تأخر الصفة عن موصوفها ، وهو تأخر ذاتي ، ثمّ الحدود متأخرة عن المقدار ، لكونها نهايات المقدار تأخّر الحالّ عن محلّه ، وهو تأخر ذاتي أيضا ، والمقدار متأخّر عن الجسم بهذا النوع من التأخر ، والجسم متأخر عن الجسمية التي هي جزء منه تأخر المركّب عن أجزائه بهذه المراتب ، فكيف يمكن أن يقال : إنّه متقدم عليها؟ وكيف يمكن أيضا أن يقال : إنّ الشكل مع الجسمية؟
والغلط في البيان الأوّل وهو (٣) قولنا : لمّا لم تكن الجسمية علّة لهما فهما إذن غير متأخرين عنها ، فإنّ ما لا يكون علّة للشيء لا يكون متقدما عليه بالعلية ،
__________________
(١) في المصدر : «فيهما».
(٢) المصدر نفسه : ١٢٧ ـ ١٢٨.
(٣) ق : «توهم» بدل «وهو».