لا يمكن أن يخلو عن أحد أمور ثلاثة :
الأوّل : قبول الانفكاك والالتئام والتشكل التابع لهما بسهولة ، وهو اللازم للأجسام الرطبة من العنصريات.
الثاني : قبول جميع ذلك بعسر ، وهو اللازم للأجسام اليابسة من العنصريات.
الثالث : الامتناع عن قبول ذلك ، وهو اللازم للفلكيات.
وهذه الأمور مختلفة غير واجبة لذاتها لقيامها بالغير ، فهي إنّما تجب بعلل تقتضيها ، ولا يمكن أن تقتضيها الجرميّة العامة المشتركة في جميع الأجسام لكونها مختلفة ، ولا الهيولى لما تقدم من أنّ القابل لا يكون فاعلا ، فعللها إذن أمور مختلفة غير الهيولى والصورة. وتلك الأمور مقارنة لهما ، لتساوي نسبة المفارق إلى جميع الأجسام. وهي متعلقة بالمادة ، لاقتضائها ما يتعلّق بالأمور الانفعالية ، كسهولة قبول الفصل والوصل وعسره وهي صور لا أعراض ، لامتناع أن يحصل الجسم من غير أن يكون موصوفا بأحد هذه الأمور.
وأيضا الجسم يمتنع أن يخلو عن الأين أو الوضع ، ويمتنع أن يكون في جميع الأمكنة و (١) على جميع الأوضاع. فإذن جسميّته تقتضي أن يكون في مكان أو وضع غير متعيّنين. ثمّ إنّ كلّ جسم يجب أن يختص بمكان أو وضع متعيّنين تقتضيهما طبيعته. فإذن لا يخلو كلّ جسم عمّا يقتضي استحقاق مكان خاص أو وضع خاص متعيّنين ، وذلك هو الصورة النوعية المغايرة للجسمية العامّة المشتركة.
وهذه الصور تختلف باعتبار آثارها ، فالمقتضية للكيفيّات (٢) كسهولة قبول الانفكاك وعسره تكون مناسبة للكيف ، والمقتضية لاستحقاق الأمكنة مناسبة للأين ، وهكذا في سائر الأعراض. وإنّما كانت هذه الصور مغايرة للأعراض
__________________
(١) في شرح الإشارات : «أو».
(٢) ج : «للاتصاف».