واحتج المتكلمون على ذلك : بأنّ الأجسام ممكنة الوجود وإلّا لما وجدت ، وإذا كانت ممكنة الوجود في زمان كانت ممكنة في كلّ زمان ، وإلّا لزم الانتقال من الإمكان الذاتي إلى الامتناع الذاتي.
والأولى الاعتماد على الضرورة بل هو الحق ، فلا يجوز الاستدلال عليه. مع أنّ الدليل الذي ذكروه لا يمكن الأشاعرة الاستدلال به لوروده في الأعراض.
قيل (١) : لا يمكن الاعتماد فيه على الاستمرار في الحس ، لأنّه قد ظهر أنّ عند تعاقب الأمثال يظن الحس الأشياء المتعددة واحدا. ولأنّه منقوض بالأكوان (٢) عند الأشاعرة.
وأيضا في الدليل المذكور نظر ، لم لا يجوز أن يكون الجسم ممكن الوجود في كل آن على البدل؟ وغير ممكن أن يوجد في آن عقيب وجوده في آن آخر. ولا يلزم من ذلك الانتقال من الإمكان إلى الامتناع ، لأنّ إمكان الوجود غير وإمكان البقاء غير ، فإنّ إمكان الوجود يطلق على إمكان الوجود ابتداء من غير شرط الثبات ، وإمكان البقاء عبارة عن إمكان وجود في آن عقيب الوجود في زمان سالف ، ولا شك في تغايرهما. ولا يلزم من اتصاف الشيء بالإمكان الأوّل وعدم اتصافه بالثاني الانتقال من الإمكان إلى الامتناع ، كالأشياء الغير القارة.
وقيل (٣) : استدلال من قال بالبقاء بانّي أعلم بالضرورة أنّني الذي كنت بالأمس ، ضعيف لأنّه مبني على نفي النفس الناطقة. ولأنّ هوية الإنسان المعيّن ليست عبارة عن الجسم فقط ، بل لا بدّ فيه من أعراض مخصوصة ، وهي غير باقية. وإذا كان أحد أجزاء الماهية غير باق لم تكن الماهية باقية.
__________________
(١) القائل هو الرازي ، راجع نقد المحصل : ٢١١.
(٢) في بعض نسخ المصدر : «الألوان».
(٣) القائل هو الرازي ، المصدر نفسه.