وفيه نظر ، فإنّ المستدل إنّما استدل بالعلم الضروري بأنّ بدنه الموجود اليوم هو الذي كان بالأمس ، وهذا لا يتوقف على ثبوت النفس ولا على نفيها. والأعراض الداخلة في التشخص باقية ، لكن هذا لا يتم على رأي الأشاعرة.
والنظام إنّما التجأ إلى مقالته ، لأنّ الإعدام لا يعقل اسناده إلى المؤثر (١) ، وليس للأجسام ضد حتى يقال : إنّها تنتفي بوجوده ، والمعدوم عنده ليس بثابت حال العدم ، والأجسام عنده تفنى يوم القيامة ، فلا مجال له إلّا القول بعدم بقاء الأجسام ، كعدم بقاء الأعراض.
واحتج المتكلمون : على بقاء الأجسام أيضا بوجوه :
الأوّل : لو لم تكن باقية لم يصح منّا فعل الأفعال ، والتالي باطل بالضرورة ، فالمقدم مثله.
بيان الشرطية : أنّ القدرة يجب أن تتقدم الفعل لاستحالة تعلقها بالواجب ، والفعل حال وجوده واجب ، وتقدم القدرة مستلزم لتقدم الموصوف بها وهو البدن ، فلو لم يكن الجسم باقيا امتنع الفعل منّا وهو باطل ؛ لعلمنا الضروري بأنّا فاعلون.
الثاني : لو لم تبق هذه الأجسام ، وكان الله يحدثها حالا فحالا لم يجب أن يكون ما هو واجب الثبوت ، والتالي باطل بالضرورة ، فالمقدم مثله.
بيان الشرطية : أنّا إذا اعتمدنا بأيدينا على جسم ثقيل ثمّ ازيل عنها فإنّ أيدينا تنزل هابطة ، ولو كان الله تعالى يحدثها حالا فحالا جاز أن يحدث الكون فيها صاعدا ، لأنّه من فعله تعالى ، بل كان يلزم أن لا يتأتى منا رفع أيدينا ، فإنّها تحدث في كلّ حال من الله تعالى، وما يفعله من الكون فهو أحقّ بالوجود مما نفعله نحن.
__________________
(١) وفي الانتصار أيضا نقلا عن الجاحظ : «انّه محال أن يعدم الله الأجسام بعد وجودها» ، ص ٢١.