الإحداث معلقا من الله تعالى بقول وإرادة (١) ، ويقرب منه قول الكرامية حيث جعلوا الجوهر وغيره متولدا عن قوله كن (٢) ؛ لأنّ ذلك الحدوث يكون إمّا قديما أو محدثا ، وكلاهما باطل على ما قدمناه في باب العدم والحدوث.
ولأنّ ذلك المعنى إن كان قديما سواء كان معدوما أو موجودا اقتضى حدوث هذه الحوادث أبدا ، وهو يقدح في حدوثها ، فما أحال معلول العلة أحال وجودها على الوجه الذي يجب الحكم عنها ، وإن كان لمعنى محدث لم يصحّ ؛ لأنّ اختصاصه به إنّما يصحّ بعد وجوده ، فلو توقف وجوده على حدوث ذلك المعيّن دار.
وأيضا كان يخرجه من تعلقه بالقادر ؛ لأنّ ما يستند إلى علّة لا يضاف إلى الفاعل.
وأيضا يلزم التسلسل ، لأنّ الجوهر كما احتاج في حدوثه إلى معنى محدث فكذلك المعنى المحدث يحتاج إلى معنى آخر ، لتشاركهما في علّة الحاجة وهي الحدوث ويتسلسل.
ولا ينتقض بالمتحرك حيث احتاج في كونه متحركا إلى علة ولا تسلسل فيه. لأنّ الحركة غير مشاركة للمتحرك في وجه الحاجة إلى حركة أخرى ، وذلك المعنى المحدث قد شارك ذات الجوهر في الحاجة إلى معنى فافترقا ، ولأجل ذلك احترز أبو الهذيل هنا ، فقال : إنّ ذلك المعنى ليس بحادث ، كما أنّ الحركة غير متحركة ، وهو بعيد من جهة المعنى.
وأوجب معمر أن يحدث المحدث لمعنى ويحدث ذلك المعنى لمعنى آخر
__________________
(١) راجع الشهرستاني ، الملل والنحل : ١ : ٤٥.
(٢) قال الشهرستاني : «وعلى قول الأكثرين منهم (الكرامية) : الخلق عبارة عن القول والإرادة ...» ، المصدر نفسه : ١٠١.